مصابيح الجامع الصحيح

باب: لا يتزوج أكثر من أربع

          ░19▒ (باب لا يتزوج أكثر من أربع)
          (أو ثلاث)؛ يعني: أنَّ الواو الواصلة بمعنى: (أو) الفاصلة.
          فائدة: قال الشيخ عز الدِّين: كان في شريعة موسى صلعم يجوز للإنسان أن يتزوج من غير حصر، لمن يقدر على القيام بالوطء ومؤن النكاح؛ تغليبًا لمصلحة الرجال.
          وفي شريعة عيسى صلعم لا يتزوج غير واحدة؛ تغليبًا لمصلحة النساء من عدم الشحناء، فراعت هذه الشريعة النوعين بالعدد المخصوص. /
          فائدة: كان الشيخ عماد الدِّين بن يونس يجعل من موانع النكاح اختلاف الجنس، ويقول: لا يجوز للآدمي أن يتزوج الجنية، وبه أفتى البارزي؛ لقوله تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل:72]، وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ(1) لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21]، وفي «الفتاوى السراجية» للحنفية: لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن وإنسان الماء؛ لاختلاف الجنس، وفي «الغنية» : سئل الحسن البصري عن التزويج بجنية، فقال: يجوز بحضرة شاهدين، ونص على منعه جماعة من الحنابلة، وفي مسائل حرب عن الحسن وقتادة: كراهتها، ثم روى عن ابن لهيعة، عن يونس، عن الزهريِّ: أنِّ النَّبيَّ ◙ نهى عن نكاح الجن، وعن زيد العمي أنَّه كان يقول: اللَّهُمَّ ارزقني جنية أتزوج بها، تصاحبني حيث ما كنت.
          وفي المنع من تزويجها نظرٌ؛ لأنَّ التكليف يعمها.
          قال القموليُّ: رأيت شيخًا كبيرًا وكان صالحًا يقول: إنَّه تزوج جنية، انتهى
          قال الحافظ الدميريُّ: ورأيت أخًا آخر من أهل الدِّين أخبرني أنَّه تزوَّج منهم عشرًا واحدة بعد أخرى، كذا في «شرح المنهاج»، وفي كتاب «حياة الحيوان» : ورأيت أنا رجلًا من أهل القرآن والعلم أخبرني أنَّه تزوَّج أربعًا من الجن واحدة بعد أخرى، انتهى
          وقد سُئل الشيخ عز الدِّين بن عبد السلام عن ابن عربي، فقال: شيخ سوء كذاب، فقيل له: وكذاب أيضًا؟ فقال: نعم، تذاكرنا يومًا عن نكاح الجن، فقال: الجن روح لطيف، والإنس جسم كثيف، فكيف يجتمعان؟ ثم غاب عنا مدة وجاء وفي رأسه شجة، فقيل له في ذلك؟ فقال: تزوَّجت امرأة من الجن، فحصل بيني وبينها شيء، فشجتني هذه الشجة.
          قال الحافظ الذهبيُّ: وما أظن ابن العربي تعمد هذه الكذبة، وإنَّما هو من خرافات الرياضة، انتهى
          لطيفة: في نقله هذا عن علي بن الحسين لطيفة، وهو أنَّه سيد من كبار أهل البيت فيه ردٌّ على الرافضة الذين جوزوا نكاح أكثر من أربع، فقيل: بنكاح تسع لكلِّ أحد، وقيل: ثمانية عشر، وهو مردودٌ.
          فائدة: واعلم أنَّ الإحصان في القرآن ورد، ويراد به أربعة معانٍ: التزويج، والعفة، والحرية، والإسلام، وهذا ينفعك معرفته في الاستثناء الواقع بعده، فإن أريد به هنا التزويج؛ كان المعنى: وحرمت عليكم المحصنات؛ أي: المتزوجات، إلَّا النوع الذي ملكته أيمانكم إمَّا بالسبي أو بملك من شراء وهبة وإرث، وهو قول بعض أهل العلم، وإن أريد به الإسلام أو العفة؛ فالمعنى: أنَّ المسلمات أو العفيفات حرام كلهن؛ يعني: فلا نرى بهن إلا ما ملك منهن بتزويج أو ملك يمين، فيكون المراد: ما ملكت أيمانكم التسلط عليهم، وهو قدر مشترك، وعلى هذه الأوجه الثلاثة يكون الاستثناء متصلًا، وإن أريد به الحرائر؛ فالمراد: إلا ما ملكتَ بملك اليمين، وعلى هذا فالاستثناء منقطع، انتهى


[1] في الأصل: (جعل).