مصابيح الجامع الصحيح

حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله.

          1399- 1400- (عَلَى اللهِ) أي: كالواجب عليه، ومرَّ تَحْقيقه.
          و(فَرَّقَ) بالتَّشديد والتَّخفيف؛ انتهى.
          قال القُرافيُّ: سمعتُ بعض مشايخي يقول: فرَّقت الفرق بين (فَرَقَ) بالتَّخفيف، و(فرَّق) بالتَّشديد؛ فالأوَّل في المعاني، والثَّاني في الأجسام، مع أنَّه وقع في الكتاب العزيز كلاهما.
          ومعناه: من أطاع في الصَّلاةِ وجحد الزَّكاة أو منعها.
          إن قلتَ: مَا وجه الجَمْع بين إثبات كفرهم من حيث قال: (كَفَرَ مَنْ كَفَرَ)، وكونهم مقيمين الصَّلاة؟
          قلتُ: لم يقل أنَّ الكافرين هم الَّذين أراد قتالهم، فمعناه: كان مُنَاظرة الشَّيخين واتِّفاقهم على قتال مانعي الزَّكاة حين كان الخليفة أبا بكر، وحين ارتدَّ بعض العرب أو أطلق لفظ (الكفر) على مانع الزَّكاة؛ تَغْليظًا عليه.
          الخطَّابيُّ: هذا حديث مُشْكل؛ لأنَّ أوَّلَ القصَّةِ دلَّ على كفرهم، والتَّفريق بين الصَّلاة والزَّكاة يُوْجِب أن يكونوا ثابتين على الدِّين مقيمين للصَّلاةِ، ثمَّ إنَّهم كانوا متأوِّلين في مَنْعِ الزَّكاة مُحْتجِّين بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التَّوبة:103] الآية، فإنَّ التَّطهير ونحوَه مَعْدومٌ في غيره ◙، وكذا صلاة غيره ليست سكنًا، ومثل هذه الشُّبهة تُوجِب العذر لهم، والوقوف عن قتالهم، والجواب أنَّ المخالفين كانوا صِنفَين؛ صنفٌ ارتدُّوا كأصحاب مسيلمة، وهم الَّذين عناهم بقوله: (كفر من كفر)، وصِنفٌ أقرُّوا بالصَّلاة وأنكروا الزَّكاة، وهؤلاء على الحقيقة أهل البغيِ، وإنَّما لم يدعو بهذا الاسم خصوصًا، بَلْ أُضيفَ الاسم على الجُمْلة إلى الرِّدَّة، إذ كانت أعظم خَطبًا، وصار مبدأ قتال أهل البغي مؤرَّخًا بإمامة عليِّ ╩، إذ كانوا مُنْفردين في عَصْره لم يَخْتلطوا بأهل الشِّرك.
          إن قيل: لو كان مُنْكر الزَّكاة باغيًا لا كافرًا؛ لكان في زماننا أيضًا كذلك، لكنَّه كافر بالإجماع.
          قلنا: الفرق أنَّهم إنَّما عُذِروا فيما جرى منهم لقرب العَهْد بزمانِ الشَّريعة الَّذي كان يقع فيه تَبْديل الأحكام، ولوقوع الفترة بموت رسول الله صلعم، وكان القوم جهَّالًا بأمور الدِّين قد أضلَّتهم الشُّبْهة، وأمَّا اليوم؛ فقد شاع أمر الدِّين واستفاض العلم بوجوب الزَّكاة حتَّى عَرَفَه الخاصُّ والعامُّ، فلا يُعْذَر أحد بتأويله، وكان سبيلها سبيل الصَّلوات الخمس ونحوها.
          وفي الصِّنف الثَّاني عرض الخلاف / ووقعت المناظرة، فقال عمر بظاهر الكلام، وقبل أن يَنْظر في آخره، فقال أبو بكر ╠: أنَّ الزَّكاة حقُّ المال وهي داخلة تحت الاستثناء بقوله: (إلَّا بحقِّه)، ثمَّ قاسه على الصَّلاةِ؛ لأنَّ قتال الممتنع عن الصَّلاة كان بالإجماع، ولذلك ردَّ المختَلَف فيه إلى المُتَّفَق عليه، والعموم يُخَصُّ بالقياس، مع أنَّ هذه الرِّواية مختصرة من الرِّوايات المصرَّحة بالزَّكاة فيها بقوله: «حتَّى ويقيموا الصَّلاة ويؤتوا الزَّكاة»، وإمَّا اختصارًا؛ فلأنَّه قَصَدَ به حكاية ما جرى بين الشَّيخين، ولم يقصد ذكر جميع القصَّة اعتمادًا على علم المخاطبين بها أو اكتفاء بما هو الغرض منه في تلك السَّاعة.
          وقال: الخطاب في كتاب الله على ثلاثة أقسام: خطاب عامٌّ؛ كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة:6]، وخاصٌّ بالرَّسول صلعم، كقوله: {فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإسراء:79] حيث قطع التَّشريك بقوله: {نَافِلَةً لَّكَ}.
          وخطاب مواجهة للنَّبيِّ صلعم هو وجميع أمَّته في المراد منه سواء لقوله: {أقم الصَّلاة} [الإسراء:78] فعلى القائم بعده بأمر الأمَّة أن يحذو حذوه في أخذها منهم، وأمَّا التَّطهير والتَّزكية والدُّعاء من الإمام لصاحبها؛ فإنَّ الفاعل فيها قد ينال ذلك كلَّه بطاعة الله ورسوله فيها، وكلُّ ثواب موعود على عمل كان في زمنه، فإنَّه باقٍ غير مُنْقطع، ويستحبُّ الإمام أن يدعو للمتصدِّق ويُرْجى أن يستجيب الله تعالى ذلك ولا يخيِّب مسألته.
          (عَنَاقًا) الأنثى من ولد الَمعْزِ.
          (شَرَحَ) فتح ووسَّع، ولمَّا استقرَّ عندَه صحَّة رأي أبي بكر وبان له صوابه؛ تابعه على القتال، وقال: عرفت أنَّه الحقُّ حيث انشرح صدره أيضًا بالدَّليل الَّذي أقامه الصِّدِّيق نصًّا ودلالة وقياسًا، فلا يقال أنَّه قلَّد أبا بكر؛ لأنَّ المجتهد لا يجوز له أن يقلِّد المجتهد.
          وفيه فضيلة أبي بكر ╩ وجواز القياس والعمل به وجواز الحلف، وإن كان في غير مجلس الحُكم.
          وفيه اجتهاد الأمَّة في النَّوازل ومناظرة أهل العلم والرُّجوع إلى قول صاحبه إذا كان هو الحقُّ.
          ووجوب الصَّدقة في السِّخال والفصلان والعجاجيل، وأنَّها تجزئ إذا كانت كلُّها صغارًا.
          وفيه أنَّ حول النِّتاج حول الأمَّهات، ولو كان مستأنف بها الحول؛ لم يوجد لنا سبيل إلى أخذ العَنَاق.