مصابيح الجامع الصحيح

حديث: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله

          1395- قوله: (فَأَعْلِمْهُمْ) من الإعلام.
          إن قلتَ: توقيف الصَّلاة على الكلمة ظاهرٌ؛ لأنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلَّا بعد الإسلام، فما وجه توقيف الزَّكاة على الصَّلاة والحال أنَّهما سواء في كونهما رُكْنين من أركان الإسلام / فَرْعان من فروع الدِّين؟
          قلتُ: قال الخطَّابيُّ: أخَّر ذكر الصَّدقة لأنَّها إنَّما تجب على قومٍ من النَّاس دون آخرين، وإنَّما تلزم بمضيِّ الحولِ على المال، انتهى.
          قال البرماويُّ: ما نقله عن الخطَّابيِّ لا يلاقي السُّؤال ولا يحصلُ به جوابه، وللنَّاس أجوبة عن هذا أحسنُها أنَّ المَعْنى: فإن أطاعوا باعتقاد الصَّلاة فرضًا؛ فاذكر لهم الزَّكاة، والغَرض بذلك التَّدريج، حتَّى لا يَنْفروا من كثرتها لو جُمِعَتْ، انتهى.
          قال الكرمانيُّ: وفيه أنَّ صدقة بلد لا تُنقَل إلى بلدٍ آخر، وإنَّما تُصْرَف إلى فقراء البلد الَّذي به المال.
          وأنَّ الطِّفل إذا كان غنيًّا؛ وجبت الزَّكاة في ماله، كما إذا كان فقيرًا؛ جاز له أخذها.
          وأنَّه لا يُعطَى غير المُسْلم شيئًا من الصَّدقة، وقد يَسْتدلُّ به من لا يرى على المَدْيون زكاة ما في يده إذا لم يَفْضُل عن الدَّين الَّذي عليه قدر نصاب؛ لأنَّه ليس بغنيٍّ إذ كان مستحقًّا عليه إخراج ماله إلى غريمه.
          قوله: (فُقَرَائِهِمْ) مصارف الزَّكاةِ غير مُنْحصرة فيهم، فالفائدة في تخصيص ذكرهم إمَّا المطابقة بينه وبين الأغنياء، وإمَّا لأنَّ الغالب فيهم هم الفقراء.
          وإنَّما لم يذكر الصَّوم والحجَّ وهما أيضًا ركنا الإسلام؛ لأنَّ اهتمام الشَّارع بالصَّلاةِ والزَّكاة أكثر، ولهذا كرَّر في القرآن ذكرهما كثيرًا، ولهذا إذا وجب أداؤهما على المكلَّف؛ لا يَسْقُطان عنه أصلًا بخلاف الصَّوم، فإنَّه قد يَسْقط بالفدْية، والحجِّ، فإنَّ الغير قد يقوم مقامه للزمانة، أو لأنَّه حينئذٍ لم يُشرَع وجوبه، انتهى.