مصابيح الجامع الصحيح

حديث: أرب ماله تعبد الله ولا تشرك به شيئًا

          1396- إشارة: (يُدْخِلُنِي) بالرَّفع؛ لأنَّ الجملة صفة لقوله: (بِعَمَلٍ).
          قوله: (مَا لَهُ) ابن بطَّال: هو استفهام، وتكرار الكلمة للتَّأكيد.
          و(أَرَبٌ) بفتح الرَّاء وتنوين الموحَّدة، معناه: الحاجة، وَهُوَ مبتدأ خبره محذوف، استفهم أوَّلًا ثمَّ رجع إلى نفسه فقال: له أرب.
          ورواه بعضهم بكسر الرَّاء وفتح الياء، وظاهره الدُّعاء، والمَعْنى: التَّعجُّب من حِرص السَّائل، انتهى.
          وفي هذا كلام لابن الأثير ولغيره ورأيت في «الفائق» : (أَرَبٌ مَا لَهُ)؛ قيل: هو دعاء بالافتقار من (الأرب) وهو الحاجة، وقيل: دعاء بتساقط الآراب؛ وهي الأعضاء.
          و(مَا لَهُ) يعني: ما خَطْبُهُ، وفيه وجهٌ آخر لطيف؛ وهو أن يكون (أرب) ممَّا حكاه أبو زيد من قولهم: أرب الرَّجل؛ إذا تشدَّد وتحكَّم، من تأريب العقدة، ثمَّ بتأوُّل ممتنع؛ لأنَّ البُخْل مَنْعٌ، فعدِّيَ تعديته، فيصير المَعْنى: منع ماله، دعاء عليه بلُصوق عارِ البخلاء به، ودخوله في غمار اللِّثام على طريقة طِباع العرب.
          وأمَّا (أَرِبٌ)؛ فهو الرَّجل ذو الخبرة والفطنة، وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو أرب، والمَعْنى أنَّه تعجَّب منه أو أخبر عنه بالفطنة أوَّلًا، ثمَّ قال: ماله؛ أي: لم يستفتني فيما هو ظاهر لكلِّ فَطِنٍ، ثمَّ التفت إليه فقال تعبد الله؛ فعدَّد عليه الأشياء الَّتي كانت مَعْلومة له تبكيتًا.
          ورُوِيَ أنَّ رجلًا اعترضه ليسأله؛ فصاح به النَّاس، فقال ◙: «دعوا الرَّجل أرب ماله»، قيل: معناه: احتاج يسأل، ثمَّ قال: ماله؛ أي: ما خَطْبه يُصاح به؟
          ورُوِيَ: دعوه فأربٌ ماله؛ أي: فحاجة ماله.
          و(مَا) إبهاميَّة، كمثل (ما) في قولك: أريد شيئًا ما.
          النَّضر بن شُمَيل: يقال: أرب الرَّجل في الأمر؛ إذا بَلَغَ فيه جهدَه.
          ابن الأنباريِّ: معناه: سقطت آرابه؛ أي: أعضاؤه، ومفرده: الأرب، فقيل: هذه كلمة لا يُراد بها وقوع الأمر، كما تقول: ترِبَت يداك، وإنَّما تُستعمَل عندَ التَّعجُّب.
          وقيل: لمَّا رأى الرَّجل يزاحم؛ دعا عليه دعاء لا يُسْتَجاب في المدعوِّ عليه.
          الأصمعيُّ: أرب في الشَّيء؛ إذا صار ماهرًا فيه، فيكون المَعْنى: التَّعجُّب من حُسْن فطْنَتِه والتَّهدِّي إلى مَوْضع حاجته.
          وأمَّا ما رواه بعضهم بكسر الرَّاء وتنوين الباء؛ فمعناه: هو أرِبٌ؛ أي: حاذق فطن؛ فليس بمحفوظ عند أهل الحديث.
          وفي رواية: قال النَّاس: مَا له ما له؟ فقال النَّبيُّ صلعم: «أرب ماله»، و(ما) صلة؛ أي: حاجة ما أو أمر ما له.
          قوله: (تَصِلُ الرَّحِمَ) صلة الرَّحم مشاركة ذوي القرابة في الخَيْرات.
          إن قلتَ: لم خصَّص هذا الأمر من بين سائر واجبات الدِّين؟
          قلتُ: نظرًا إلى حال السَّائل، كأنَّه كان قطَّاعًا للرَّحم مُبيحًا لذلك؛ فأمر به لأنَّه هو المهمُّ بالنِّسبة إليه.