هدى الساري لمقدمة فتح الباري

من أحاديث الأنبياء ‰

           من أحاديث الأنبياء ‰
          الحَدِيْثُ التَّاسِع والأَرْبَعُوْنَ [خ¦3350] : قالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أخرجَ البُخَارِيُّ حَدِيْثَ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيْهِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «[يَلْقَى](1) إبْرَاهِيْمُ ◙ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ»الحَدِيْثُ.
          قالَ: وهذا رَوَاهُ إبْرَاهِيْمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
          قلتُ: قد عَلَّقَ البُخَارِيُّ حَدِيْثَ إبْرَاهِيْمَ بْنِ طَهْمَانَ في التَّفْسِيْرِ [خ¦4768] فلم يُهْمِلْ حكايةَ الخلافِ فيهِ، ولكن أعلَّهُ الإِسْمَاعِيْلِيُّ من وَجْهٍ آخَرَ؛ فَقالَ بعدَ أنْ أَوْرَدَهُ: هَذَا خبرٌ في صِحَّتِهِ نظرٌ مِنْ جِهَةِ أنَّ إبْرَاهِيْمَ عَالِمٌ بأنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الميعادَ فكيفَ يُجْعَلُ ما بأبيهِ خِزْيَاً له مع خَبَرِهِ بأنَّ الله قد وعدَهُ أن لا يُخزيهِ يومَ يُبْعَثُوْنَ، وعِلْمِهُ بأنهُ لا خُلْفَ لوعدهِ، انتهى،
          وسيأتي جوابُ ذلك إنْ شاءَ اللهُ تعالى في موضِعِهِ.
          الحَدِيْثُ الخَمْسَوْنَ [خ¦3353] : قالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أخرجَ البُخَارِيُّ حَدِيْثَ يَحْيَى القَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [عن](2) سَعِيْدٍ عَنْ أَبِيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ»الحَدِيْثُ، ووافَقَهُ مُسْلِمٌ على إخراجِهِ، وقد خالفَهُ فيهِ جَمَاعَةٌ منهم: أبو أُسَامَةَ، وعَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، ومُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وآخرونَ قَالُوْا: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ [عَنْ](3) سَعِيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لم يَقُوْلُوْا: عَنْ أَبِيْهِ.
          قلتُ: قدْ أخرجَ البُخَارِيُّ حَدِيْثَ مُعْتَمِرٍ، وأَبِي أُسَامَةَ، وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ عندهُ على الاحتمالِ، ولم يُهْمِلْ حكايةَ الخلافِ فيهِ.
          الحَدِيْثُ الحَادِي وَالخَمْسُوْنَ [خ¦3362] : قالَ أَبُوْ عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: أخرجَ البُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيِّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلعم قِصَّةَ زَمْزَمَ.
          قَالَ: وَتعقبَهُ أَبُوْ مَسْعُوْدٍ الدِّمَشْقِيُّ بأنْ قالَ: اخْتَلَفُوْا في هذا الإسنادِ على وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ كأنَّهُ يغمزُ البُخَارِيَّ، إذْ أَخْرَجَهُ في الصَّحِيحِ، قالَ أبو عَلِيٍّ: رَوَاهُ حَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيْرٍ مِثْلهُ سَوَاءً، لكنْ قَالَ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ زادَ فيهِ أُبَيَّاً، وَأَسْنَدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ عَنْ البَغَوِيِّ عَنْ حَجَّاجٍ بِهِ، وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَدْرٍ البَاهِلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بنِ نَيْزَكٍ عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ مثله، لكنْ قَالَ: عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ فأسقطَ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ، وكذا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ المَدِيْنِيِّ عَنْ وَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ / في ((السننِ)) من طريقهِ [عَنْ](4) أَحْمَدَ بْنِ سَعِيْدٍ شيخِ البُخَارِيِّ مثلَ ذلكَ، وقالَ في آخِرِ حَدِيْثِ ابنِ المَدِيْنِيِّ: قَالَ وَهْبٌ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيْدِ، عَنْ أَبِيهِ نحوهُ، ولم يذكرْ أُبَيَّاً، فتبيَّنَ بهذا أنَّ وَهْبَ بن جَرِيْرٍ كانَ إذا رَوَاهُ عن أبيهِ أسقطَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وأثبتَ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وإذا رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ أسقطَ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ، وأثبتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَبَانَ أنَّ رِوَايَةَ البُخَارِيِّ فِيها إدراجٌ يسيرٌ، وفي الإسنادِ اخْتِلَافٌ آخَرُ؛ فإنَّ في آخِرِهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أيضاً قَالَ وَهْبُ بنُ جَرِيْرٍ: فَأَتَيْتُ سَلَامَ بْنَ أَبِي مُطِيْعٍ فَحَدَّثْتُهُ بهذا عن حَمَّادٍ فأنكرَهُ إِنْكَارًا [224/ب] شَديداً، ثُمَّ قالَ لِي: فَأَبُوْكَ مَا يَقُوْلُ؟ قلتُ: يقولُ: عَنْ أَيُّوْبَ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: قَدْ غَلِطَ، إنَّمَا هو أَيُّوْبٌ عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، انتهى.
          وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيْلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوْبَ قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، ولم يذكرْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ.
          قالَ أَبُوْ عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: هذا الاخْتِلَافُ إذا تأمَّلَهُ الْمُتَبَحِّرُ في الصَّنْعَةِ عَلِمَ أنهُ يعودُ إلى وِفَاقٍ، وأنَّهُ لا يدفعُ بعضَهُ بَعْضَاً، وحكمَ بِصحَّتهِ، ثُمَّ بيَّنَ طريقَ الجمعِ بينَ هذهِ الرِّوَايَاتِ، واللهُ الموفقُ.
          الحَدِيْثُ الثَّانِي والخَمْسُوْنَ [خ¦3438] : قالَ أَبُوْ عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيْرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيْلُ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيْرَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: «رَأَيْتُ مُوْسَى وَعِيْسَى وَإبْرَاهِيْمَ»الحَدِيْثُ.
          قَالَ: والمحفوظُ فيهِ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قالَ أبو مَسْعُوْدٍ: أخطأَ البُخَارِيُّ في قولِهِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وإنَّمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيْرٍ عَنْ إِسْرَائِيْلَ بهذا الإسنادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وكذلكَ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُولِيُّ، ويَحْيَى بنُ آَدَمَ، وابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وكذلكَ نبَّهَ على هذا الوهمِ أبو ذرٍّ الْهَرَوِيُّ في ((نُسخته)) فساقَ الحَدِيْثَ من طريقِ حَنْبَلِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيْرٍ، فَقَالَ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ أبو ذَرٍّ، وكذا رَوَاهُ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيْرٍ، وكذا رَوَاهُ أبو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ إِسْرَائِيْلَ.
          قلتُ: وَكَذَا رَوَاهُ أحمدُ في ((مسندِهِ)) عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ شَاذَانِ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وكذا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الخُزَاعِيِّ عَنْ مُحَمَّدَ بْنِ كَثِيْرٍ، وكذا رَوَاهُ سَمُّوَيَهٌ في ((فَوَائِدِهِ)) عَنْ الحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، ويؤيدُ أنَّهُ مِنْ سَبْقِ القَلَمِ أنَّ البُخَارِيَّ قد أخرجَهُ في موضعٍ آخَرَ من رِوَايَةِ ابنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابنْ عَبَّاسٍ، وهو الصَّوَابُ، وقَدْ تَعَقَّبَهُ أبو عَبْدِ اللهِ بن مَنْدَه أيضاً على البُخَارِيِّ فأخرجَهُ في ((كِتَاب الإيمانِ)) من طريقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوْبَ [بْنِ الضُّرَيْسِ](5) ومُوْسَى بْنِ سَعِيْدٍ الطَرْسُوْسِيِّ كلاهُمَا عن مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيْرٍ بِهِ، وقالَ في آخرِهِ: قالَ البُخاريُّ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ، والصَّوَابُ ابنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رأيتُهُ في ((مُسْتَخْرَجِ الْإِسْمَاعِيْلِيِّ)) من طريقِ أبي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ إِسْرَائِيْلَ، وقالَ فيهِ: عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ، ولم يَتَعَقَّبْهُ كعادَتِهِ، واستدلَلْتُ بذلكَ على أن الوهمَ فيهِ من غيرِ البُخَارِيِّ، واللهُ أعلم.
          وكذا رَوَاهُ أبو نُعَيْمٍ في ((مُسْتَخْرَجِهِ)) عن الطَّبَرَانِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وقالَ بعدَهُ: رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيْرٍ فَقَالَ: ابْنُ عُمَرَ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طريقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ فَقَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ أيضاً.. الحديث.


[1] في ت: يقي.
[2] في ط: بن.
[3] في ط: بن.
[4] في ت: وعن.
[5] في ط: الضريس.