التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب الفتنة التي تموج كموج البحر

          ░17▒ (بَابُ الفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ مَوْج البَحْرِ)
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) أي: سُفيان (عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ) وكان مِن عبَّاد أهل الكوفة، قال البخاري: أثنى عليه ابن عُيَيْنة وبقي إلى حدود الأربعين ومائة.
          قوله: (الْحَرْبُ أوَّل (1) مَا تَكُونُ فَتِيَّةً) أي: شابَّة، و(فُتيَّةً) بضم الفاء على التَّصغير، ورواه بعضهم بفتح الفاء والمعنى / كما قدَّمناه شابَّة حديثة السِّن، وهذا الشِّعر لامرئِ القيس كما عزاه إليه السُّهيلي في كتابه: «الرَّوضُ الأُنُفُ»، وقال ابن التِّين: إنَّها لعمر بن معد يكرب.
          وفي (فَتِيَّةً) أربعة أوجه: رفع (أَوَّلُ) ونصب (فتيةً) وعكسه ورفعهما جميعًا ونصبهما جميعًا، فمَن رفع (أَوَّلُ) ونصب (فتيةً) فتقديره الحرب أوَّل أحوالها إذا كانت فتيةً، و(الْحَرْبُ) مبتدأ و(أَوَّلُ) مبتدأ ثانٍ، و(فتيةً) حال يسدُّ مسدَّ الخبر، والجملة خبر (الْحَرْبُ)، ومَن نصب (أَوَّلَ) ورفع (فتية) فتقديره الحرب في أوَّل أحوالها فتية، فـ(الْحَرْبُ) مبتدأ و(فتية) خبر و(أَوَّلَ) نصب على الظَّرف، ومَن رفع (أَوَّلُ) و(فتية) فتقديره الحرب أوَّل أحوالها، فـ(أَوَّلُ) مبتدأ ثانٍ أو بدل مِن الحرب و(فتية) خبر، وإن كان مذكرًا أي: المبتدأ وهو أوَّل لأنَّه مضاف إلى مؤنَّث وهو بعضه وهو (فتية) فأتت لذلك خبره، ومَن نصبهما جميعًا جعل (أَوَّلَ) ظرفًا و(فتية) حالًا مِن الضَّمير في (تَكُونُ) وتقديره: الحرب في أوَّل أحوالها إذا كانت فتية ويسعى خبر عنها، أي: الحرب في حال ما هي فتية أي: في وقت وقوعها تغرُّ مَن لم يجرِّبها حتَّى يدخل فيها فتهلكه.
          قوله: (تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ) كذا رووه، ورواه سيبويه ببزَّتها والبزَّة اللِّباس، وأصله مِن بززت الرَّجل أبزُّه إذا سلبته، فسُمِّي اللِّباس بما يؤول إليه مِن السَّلب.
          قوله: (حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ) يجوز في (إذَا) أن تكون شرطية وجوابها (وَلَّتْ) وأن تكون ظرفيَّة.
          قوله: (وَشَبَّ ضِرَامُهَا) _بكسر الضَّاد المعجمة_ هو لهب النَّار وما اشتعل من الحطب، يُقال: شبَّت النَّار إذا أوقدها فتلألأت ضياءً ونورًا وارتفع إيقادها.
          قوله: (وَلَّتْ (2) عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ) هو _بفتح الحاء المهملة_ الزَّوج، ويُروى بالخاء المعجمة، ومعناه صارت لا أربَ لأحد منها، وبالخاء المعجمة ضبطَه الدِّمياطي في الأصل، وفي الحديث بالحاء المهملة.
          قوله: (شَمْطَاءَ) أي: بيضاء يخالطها السَّواد، وهو _بالنَّصب_ صفة لعجوز، والشَّمط الشَّيب وبياض الشَّعر، يعني الحرب أوَّلها رغبة وآخرها ندامة فالحذر الحذر.


[1] في الأصل:((أولى)).
[2] في الأصل:((وإن)).