تحفة الباري بشرح صحيح البخاري

حديث: كان النبي إذا قام من الليل يتهجد

          1120- (سُفيَانُ) أي ابن عُيينة. (عَن طَاوُسٍ) أي ابن كيسان.
          (إِذَا قامَ مِنَ اللَّيلِ يتهجَّدُ(1)) أي ليتهجدَّ. (قَالَ: اللَّهمَّ لكَ الحَمْدُ) جواب إذا، والجملة الشرطية خبر كان، وفي(2) تقديم لك(3) على الحمد هنا، وفيما يأتي إفادة التخصيص. (أنت) ساقط من نسخة. (قَيِّمُ) القَيِّم(4) والقَيَّام والقيُّوم(5) معناها واحد وهو القائم(6) بتدبير الخلق. (نُور) في نسخة: <أنت نور>. (السَّمواتِ والأَرضِ) أي(7) منوِّرُهما(8) بالشَّمس والقَمر، أو منزَّهٌ في السَّموات والأرض عن كلِّ عيب، من قول العرب: امرأة مُنَوَّرة؛ أي مُبَرَّأةٌ من كل ريبة، وزاد في نسخة: <ومن فيهنَّ>. (وَلَكَ الحَمْدُ) ذكر الحمد اهتمامًا بشأنه، وليُنَاط به كل مرة معنى آخر. (أَنْتَ مَلِكُ) بفتح الميم وكسر اللام، وفي نسخة: <لَك مُلْكُ> بضمِّ الميم وسكون اللَّام، والأول أنسبُ بالسَّياق(9). (أنتَ الحقُّ) أي واجب الوجود من حَقَّ الشيءُ ثَبَتَ ووَجَبَ، وهذا الوصف لله بالحقيقة لا ينبغي لغيره إذ وجوده بذاته لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، وما عداه بخلاف ذلك، وأما إطلاقه على ما(10) ذكره بقوله: <ووعدك الحق... > إلى آخره، فلأنَّه كان(11) بإخباره تعالى فيجب أن يُصدَّق(12) به، وحكمة التعبير به في ذلك التأكيدُ والتفخيم له، والمعطوفات على (أَنْتَ الحقُّ) مغايرة له، وإمَّا هي بنسبة بعضها إلى بعض، فبعضها من ذكر الخاص بعد العام(13)، وبعضُها بالعكس.
          واستُشكِلَ تعريفُ الحقِّ في (أنتَ الحقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ) مع تنكيره في البقية. وأُجيب بأنَّه عُرِّف الأوَّلان للحصر لأن الله مختصٌّ(14) بالحقِّ حقيقة وبإنجاز الوعد، بخلاف غيرهما، وأورد عليه أن قوله: (وَقَوْلُكَ حَقٌّ) مُنكَّر مع أن قوله تعالى كوعده فيما ذكر فيه(15)، ويُجاب بأن المراد بالوعد مدلولُه، وهو لا يتغيَّر بنَسْخ أو غيره، وبالقولِ الإخبارُ وهو يتغير بالنسخ ولهذا قال الأصوليون: يجوز نسخ الإخبار بشيء بالإخبار بنقيضه، لا نسخ مدلول الخبر. (أَسْلَمْتُ) أي انقدت لأمرك ونهيك. (وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي فوَّضت أمري إليك قاطعًا من(16) نظري عن الأسباب العادية. (وإِلَيْكَ أَنَبْتُ) أي رجعت إليك مُقبِلًا بقلبي عليك. (وَبِكَ خَاصَمْتُ) أي وبما آتيتني من البراهين والحجج خاصمت مَن خاصمني من المعاندين. (وإِلَيكَ حَاكَمْتُ) أي رفعت إليك من يجحد الحقَّ، وجعلتكَ الحاكم بيني وبينه. وقدَّم صِلات(17) الأفعال المذكورة عليها لإفادة الحصر. (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ) إلى آخره، قاله تواضعًا وإجلالًا لله تعالى وتعليمًا للأمة وإلا فهو معصوم مما يغفر. (أَنْتَ المُقَدِّمُ) أي لي في البعث في الآخرة. (وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ) أي لي في البعث في الدُّنيا.
          (سُفيانُ) أي ابن عيينة. (عبدُ الكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ) هو ابن أبي المخارق البصري. (قَالَ سُفْيَانُ(18)) في نسخة: <قال علي بن خَشْرم > (قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعَهُ) في نسخة: <سمعته>.
          ولا يخفى ما اشتمل عليه الحديث من جوامع الكَلِمِ(19) إذ(20) لفظ (القيُّوم) إشارةٌ إلى أن وجود(21) الجواهر وقوامها منه، و (النُّورِ) إلى أن الأعراض منه، و (المَلِكِ) إلى أنه حاكمٌ فيها إيجادًا وإعدامًا.


[1] في (د): ((فتهجد)).
[2] في (ط): ((وفيه)).
[3] في (ع) و(ط) و(ص): ((ذلك)).
[4] قوله: ((القيم)) ليس في (ط).
[5] قوله: ((والقيوم)) ليس في (ع).
[6] في (ط): ((القا)).
[7] قوله: ((أي)) ليس في (ط).
[8] في (د): ((ينورهما)).
[9] في (د): ((والأنسب أول بالسياق)).
[10] قوله: ((ما)) ليس في (ع).
[11] في (ط) و(ص): ((كائن)).
[12] في (ط): ((نصدق)).
[13] في (ط): ((العالم)).
[14] ((بالله)) وكأنه شطب عليها في (ط).
[15] قوله: ((فيه)) ليس في (ط).
[16] قوله: ((من)) ليس في (ع) و(ص)و (د).
[17] في (ع) و(ص)و (د): ((صلاة)).
[18] في (ط): ((سليمان)).
[19] في (ط): ((الكلام)).
[20] في (ص): ((إن)).
[21] في (د): ((وجوب)).