التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب

          6772- قوله: (حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، و(اللَّيْثُ): هو ابنُ سعد، و(عُقَيلٌ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، و(ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، و(أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): هو ابنُ الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، أحد الفقهاء السَّبعة على قولٍ، مشهورٌ.
          قوله: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ): اعلم أنَّ هذا الحديث ممَّا اختلف العلماءُ في معناه؛ فالقولُ الصحيحُ الذي قاله المحقِّقونَ: أنَّ معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كاملُ [الإيمان]، وهذا مِنَ الألفاظ التي تُطلَق على نفي الشَّيء ويُراد: نفيُ كماله ومختاره، وكما يقال: لا علمَ إلَّا ما نفع، ولا مالَ إلَّا الإبل، ولا عيشَ إلَّا عيش الآخرة، وإنَّما تأوَّل ما ذُكِر بحديث أبي ذرٍّ: «مَن قال: لا إله إلَّا الله؛ دخل الجنَّة وإن زنى وإن سرق» [خ¦5827]، وبحديث عبادة: «فمن وفى منكم؛ فأجره على الله، ومَن أصاب مِن ذلك شيئًا فعوقب به في الدُّنيا، فهو كفَّارة...»؛ الحديث [خ¦18]، فهذان الحديثان ونظائرهما في «الصَّحيح» مع قول الله ╡: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[النساء:48] مع إجماع أهل الحقِّ على أنَّ الزاني والسارق والقاتل وغيرَهم من أصحاب الكبائر غير الشِّرك لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا، سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرِّين على الكبائر؛ كانوا في المشيئة، إن شاء، عفا عنهم وأدخلهم الجنَّة [أوَّلًا، وإن شاء؛ عذَّبهم ثمَّ أدخلهم الجنَّة](1)، وتأوَّل بعض العلماء [هذا الحديث] على مَن فعل ذلك مُستحِلًّا مع علمه بورود الشَّرع بتحريمه، وقال الحسنُ وابنُ جَرِير الطَّبَريُّ: معناه: يُنزَعُ مِنه(2) اسمُ المدح الذي يُسمَّى به أولياء الله المؤمنين، ويستحقُّ الذَّمَّ، فيُقال: سارقٌ، وزانٍ، وفاجرٌ، وحُكِي عن ابن عَبَّاس: أنَّ معناه: أنَّه يُنزَعُ منه نورُ الإيمان، وهذا قد نقله عنه الإمام شيخ الإسلام البُخاريُّ هنا مُعلَّقًا مجزومًا به، وسيأتي مُسنَدًا إليه في (كتاب المحاربين) قريبًا جدًّا [خ¦6809]، وفي ذلك حديث مَرْفُوعٌ، وقال المُهلَّب: تُنزَع منه بصيرتُه في طاعة الله. وذهب الزُّهْرِيُّ إلى أنَّ هذا الحديث وما أشبهه يُؤمَنُ بها، وتُمَرُّ على ما جاءت، ولا يُخاض في معناها، وأنَّا لا نعلم معناها، وقال: أمرُّوها كما أمرَّها مَن قبلكم، وقيل في معنى الحديث غيرُ ما ذُكِر ممَّا ليس بظاهر، بل بعضُها غلطٌ، والصَّحيحُ في معناه ما تَقَدَّمَ، والله أعلم.
          وفي «المطالع»: («وهو مؤمنٌ»: قيل: آمنٌ مِن عذاب الله، وقيل: مُصدِّقٌ حقيقةَ التَّصديق بما جاء في ذلك مِنَ النَّهيِ والوعيد، وقيل: كامل الإيمان، وقيل: هو على المبالغة في التَّغليظ كما جاء: «لا إيمانَ لمَن لا أمانةَ له»، ومعناه: النهي عن أن يفعل ذلك وهو مؤمن، وأنَّ هذا لا يليق بالمؤمن، وقيل: إذا استحلَّ ذلك ولم يره معصية، وقيل: يُنزَع منه الإيمان فيكون فوقه كالقبَّة، فإذا فارق الذَّنب، عاد إليه إيمانُه)، انتهى.
          قوله: (وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً): (النُّهبة)، بضَمِّ النون، وكذا (النُّهبى): اسم الانتهاب، وهو أخذ الجماعة الشيءَ اختطافًا على غير سويَّة، لكن بحسب السَّبق إليه.
          قوله: (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّـِبِ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّهْبَةَ): هذا معطوفٌ على السَّند الذي قبلَه، فروى هذا الثاني أيضًا البُخاريُّ عن يحيى ابن بُكَيْر، عن اللَّيث، عن عُقَيل، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سَلَمة به، وليس تعليقًا، فاعلمه.


[1] ما بين معقوفين ليس في (أ)، وهو مستدرك من «المنهاج شرح مسلم» للنووي.
[2] في (أ): (من).