التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما يجوز من اللو

          قوله: (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته بلا إسنادٍ، ثمَّ قال: («لَوْ» على وجهين: للشرط في المُضي(1)، وللتَّمَنِّي، فالتي للشرط خارجةٌ عن الترجمة بالتمنِّي، وإنَّما الاشتراك بينهما لفظيٌّ، وجميعُ ما أورده البُخاريُّ ههنا من قبيل الشرطيَّة، لا التمنِّي، إلَّا قوله تعالى: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}[هود:80]، فإدخاله ذلك في الترجمة منتقد(2)، والله تعالى أعلم).
          قوله: (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ): قال ابن قُرقُول في «مطالعه»: (قول البُخاريِّ: «باب ما يجوز من اللَّوْ»؛ بسكون الواو؛ يريد: من قول: لو كان كذا؛ لكان كذا، ولم يكن كذا، وقد تَقَدَّمَ الكلام فيه)، وقال قبله _أعني: ابن قُرقُول_ بقليل ما لفظه: (وترجم البُخاريُّ: «ما يجوز من اللَّوْ»، فأدخل الألفَ واللَّام على «لَوْ»، وهو حرفٌ، وهو غير جائزٍ في العربيَّة، قلتُ: أقامَها مُقام اسمٍ؛ لمعنًى قد عُلِم؛ كالنَّدم والتمنِّي)، انتهى.
          وقال ابن الأثير في «نهايته» ما لفظه: (وفيه: «إيَّاك واللَّوَّ؛ فإنَّ اللَّوَّ من الشيطان»؛ يريد: قولَ المتندِّم على الفائت: لو كان كذا؛ لقُلْتُ وفَعَلْتُ، وكذلك قول المتمنِّي؛ لأنَّ ذلك من الاعتراض على الأقدار، والأصل فيه: «لَوْ» ساكنة الواو، وهو حرفٌ من حروف المعاني يمتنع بها الشيءُ لامتناع غيره، فإذا سُمِّيَ بها؛ زيد فيها واوٌ أُخرى، ثمَّ أُدْغِمَتْ وشُدِّدَتْ؛ حملًا على نظائرها من حروف المعاني)، انتهى، وقد جاء في «سنن ابن ماجه» مرفوعًا: «إيَّاك واللَّوَّ؛ فإنَّ اللَّوَّ تفتح عمل الشيطان».
          تنبيهٌ: أمَّا النهيُ عن ذلك، وأنَّها تفتح عملَ الشيطان؛ فمحمولٌ على مَن يقول ذلك معتمدًا على الأسباب، معْرِضًا عن المقدور، أو متضجِّرًا، والله أعلم، وقال النَّوويُّ في قوله صلعم: «لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ؛ ما سُقْتُ الهَدْيَ»: (هذا دليلٌ على جواز قول «لو» في التأسُّف على فوات أمور الدِّين ومصالحِ الشرع، وأمَّا الحديث الصحيحُ في أنَّ «لو تفتح عمل الشيطان»؛ فمحمولٌ على التأسُّف على حُظوظ الدنيا ونحوِها، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في استعمال «لو» في غير حظوظ الدنيا ونحوها، فيُجمَع بين الأحاديث بما ذكرناه، والله أعلم).


[1] في (أ) تحتمل: (المعنى)، والمثبت هو الصواب.
[2] في (أ): (مستنقد)، وفي هامشها: (لعله: منتقد)، وكذا في مصدره.