مصابيح الجامع الصحيح

باب الأذان مثنى مثنى

          ░2▒ (باب: الأذان مثنى مثنى)
          فائدة: قال عيَاض: الأذان: كلمة جامعة لعقيدة الإيمان، مُشْتملة على فَرْعيه من العَقْليَّات والنَّقليَّات وإثبات الذَّات وما تَستحقُّه من الكمال؛ أي: الصِّفات الوجوديَّة، ومن التَّنزيه؛ أي: الصِّفات العدميَّة.
          ولفظ: (الله أكبر) مع اختصارها دالَّة على ما ذكرناه، ثمَّ صرَّح بإثبات الوحدانيَّة ونفي الشِّركة، وهو عمدة الإيمان المقدَّمة على كلِّ وظائف الدِّين، ثمَّ صرَّح بالشَّهادة بالرِّسالة له ◙ الَّتي هي قاعدة جميع العبادات، وموضعها بعد التَّوحيد؛ لأنَّها من باب الأفعال الجائز الوقوع من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كَمُلَت العقائد العَقْليَّة فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقِّه تعالى.
          ثمَّ دعاهم إلى الصَّلاة بعد إثبات النُّبوَّة؛ لأنَّ معرفة وجوبها من جهة الشَّارع لا من جهة العقل، ثمَّ دعاهم إلى الفلاح؛ وهو الفوز والبقاء في النَّعيم.
          وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهو آخر تراجم عقائد الإسلام، ثمَّ كرَّر ذلك بإقامة الصَّلاة؛ للإعلام بالشُّروع فيها، وهو متضمِّن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشُّروع في العبادة بالقَلْب واللِّسان، وليدخل المصلِّي فيها على بَيِّنة من أمره وبصيرةٍ من إيمانه، ويَسْتشعر عظم ما دَخَلَ فيه وعظمة حقِّ من يَعْبده وجزيل ثَوَابه.
          وقال أبو حنيفة: تُثنَّى الإقامة كلَّها، والحديث حجَّة عليه.
          الخطَّابيُّ: الَّذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشَّام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أنَّ الإقامة فرادى، ومذهب عامَّة العلماء أنَّه يكرِّر لفظ: قد قامت الصَّلاة، إلَّا مالكًا، فإنَّ المشهور عنه أنَّه لا يكرِّره.
          وقال: فرَّق بين الأذان والإقامة في التَّثنية والإفراد؛ ليعلم أنَّ الأذان إعلام بورود الوقت، والإقامة أمارة لقيام الصَّلاة، ولو سوَّى بينهما؛ لاشتبه الأمر في ذلك، وصار سببًا لأن تفوِّت كثير من النَّاس صلاة الجماعة إذا سمعوا الإقامة فظنُّوا أنَّها الأذان. /
          قوله: (مَثْنَى مَثْنَى) بدون التَّنوين، وفي بعضها لفظ: (مثنى) مكرَّر.
          إن قلتَ: مَا فائدة تكراره والحال أنَّ التَّكرار مُسْتفاد من صيْغة المثنى؛ لأنَّها مَعْدولة من (اثنين اثنين)؛ قلتُ: الأوَّل لإفادة التثنية لكلِّ ألفاظ الأذان، والثَّاني لكلِّ أفراد الأذان؛ أي: الأوَّل لبيان تَثْنية الأجزاء، والثَّاني لبيان تَثْنية الجزئيَّات، أو هو لمجرَّد التَّوكيدِ لا غير، أوْ هُوَ بمَعْنى الاثنين غير مكرَّرٍ.
          إشارة: قوله: (إِلَّا الإِقَامَةَ) الحديث حجَّة على مالك، كما أنَّه حجَّة على أبي حنيفة؛ قاله الكرمانيُّ.
          وقوله: (إِلَّا الإِقَامَةَ) رواه البخاريُّ بعد هذا من قول أيُّوبَ، قال: قال إسماعيل: فذكرت لأيُّوب، فقال: إلَّا الإقامة، ورواه ابن المدينيِّ عن ابنِ عُليَّة، فأدرجها سليمان عن حمَّاد، ورواه غير واحد عن حمَّادٍ، فلم يذكر هذه اللَّفظة، انتهى.