مصابيح الجامع الصحيح

باب من لم ير التشهد الأول واجبًا لأن النبي قام من الركعتين

          ░146▒ (باب: من لم يرَ التَّشهُّد الأوَّل واجبًا)
          قوله: (لَمْ يَرْجِعْ) أي: إلى التَّشهُّد، ولو كان واجبًا؛ لوَجَبَ عليه التَّدارك، لكنَّه حين علم ما أتى به، بَلْ جبره بسجود السَّهو.
          التَّيميُّ: الفقهاء على أنَّ التَّشهُّد الأوَّل ليس بواجب إلَّا أحمد، فإنَّه قال: هو واجب؛ لأنَّه ◙ تشهَّد وقال: «صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي».
          وحجَّتهم أنَّ سجوده ناب عن التَّشهُّد والجلوس ولو كانا واجبين؛ لم ينب منابهما سجود السَّهو؛ أي: كما أنَّه لا ينوب عن الرُّكوع وسائر الأركان.
          الخطَّابيُّ: فيه أنَّ الإمام إذا سهَا واستمرَّ به السَّهو حتَّى يستوي قائمًا في مَوْضع قعوده للتَّشهُّد الأوَّل؛ تبعه القوم، وإنَّ موضع سجدتي السَّهو قبل السَّلام.
          ومن فَرَّقَ بأنَّ السَّهو إذا كان من نقصان؛ سجد قبل السَّلام، وإن كان من زيادة؛ سجد بعد السَّلام لم يرجع فيما ذَهَب إليه إلى فرق صحيح.
          وحديث ذي اليدين محمول على أنَّ تأخُّره ◙ بعد السَّلام كان عن سهو، وذلك أنَّ تلك الصَّلاة قد توالى فيها السَّهو والنِّسيان مرَّات في أمور شتَّى، فلم ينكر هذا منها.
          أقول: الفارق مالك، والفرق صحيح؛ لأنَّه قال: السُّجود في النُّقصان لجبر ما فات له من الصَّلاة، فناسب أن يتدارك في نفس الصَّلاة وفي الزِّيادة؛ لترغيم الشَّيطان، فناسب خارج الصَّلاة.
          النَّوويُّ: أقوى المذاهب فيه مذهب مالك، ثمَّ مذهب الشَّافعيِّ، ثمَّ لا ضرورة إلى حمل تأخيره على السَّهو؛ لأنَّ جميع العلماء قائلون بجواز التَّقديم والتَّأخير، ونزاعهم في الأفضل؛ فتأخيره محمول على بيان الجواز، انتهى.
          إن قلتَ: ما الفرق بين ترجمة هذا الباب وترجمة الباب السَّابق؛ قلتُ: الأولى في بيان عدم وجوب التَّشهُّد الأوَّل، والثَّانية في بيان شرعيَّة التَّشهُّد في الجلسة الثَّانية.