مصابيح الجامع الصحيح

باب اللعان

          ░25▒ (باب اللعان).
          [إن قلت: ما الفرق بين الإشارة والإيماء؟
          قلت: المتبادر إلى الذِّهن في الاستعمال أنَّ الإشارة باليد، والإيماء بالرأس أو الجفن ونحوه.
          ووصفه بـ «المعروف» اشتراطًا لكونه مفهومًا معلومًا، أو أراد به ما هو معهود منه، أو كأنَّه أراد الصريح من الإشارة وهو ما يفهم الكل، لا أنَّه كناية منه وهو ما / يفهمه الفطن.
          (الفرائض): هو كما في الصلاة، فإن العاجز عن غير الإشارة يصلِّي بالإشارة.
          إن قلت: تعريف اللعان بالقول المخصوص ينافي كونه بالإشارة.
          قلت: الإشارة المفهمة تقوم مقامه.
          فائدة: قال ابن بطَّال: احتجَّ البخاريُّ بقوله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم:29] على صحَّته؛ إذ عرفوا من إشارتها ما يعرفونه من نطقها، وبقوله: {آيَتُكَ} [آل عمران:41] إلى قوله: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران:41]؛ أي: إشارة، ولولا أنَّه يفهم منها ما يفهم من الكلام؛ لم يقل تعالى: {إِلَّا رَمْزًا} فجعل الرمز كلامًا.
          المهلَّب: وقد تكون الإشارة في كثير من أبواب الفقه أقوى من الكلام مثل حديث: «بعثت أنا والسَّاعة...»؛ الحديث، ومتى يبلغ البيان إلى ما بلغت إليه الإشارة بما بينهما من مقدار زيادة الوسطى على السبابة.
          (بعض الناس): يريد الحنفية حيث قالوا: لا حدَّ على الأخرس؛ إذ لا اعتبار لقذفه، وكذا لا لعان، وقالوا: إنَّ طلق يعتبر طلاقه، وفي بعضها: (إن طلقوا)، أي: الجماعة الخرس يعتبر طلاقهم.
          صاحب «الهداية» : قذف الأخرس لا يتعلق به اللِّعان؛ لأنه يتعلق بالصريح كحدِّ القذف، وقال في آخره: ولا يحدُّ بالإشارة في القذف لانعدام القذف صريحًا، وقال: وطلاق الأخرس واقع بالإشارة؛ لأنَّها صارت معهودة، فأقيمت مقام العبارة دفعًا للحاجة.
          وغرض البخاريِّ أنَّهم تحكموا حيث قالوا: لا اعتبار لقذف الأخرس واعتبروا طلاقه، فهو فرق بدون الافتراق، وتخصيص بلا اختصاص.
          (وإلا بطل): أي إن لم يقولوا بالفرق؛ فلا بدَّ من طلاق كليهما لا بطلان القذف فقط، وكذلك العتق أيضًا حكمه حكم القذف فيجب أيضًا أن تبطل إشارته(1) بالعتق ولكنهم قالوا بصحَّة عتقه.
          (وإذا قال: أنت طلاق فأشار): يعني أشار بيده مثلًا، وفي بعضها: (إذا قال أنت طالق وأشار بأصابعه).
          إن قلت: كيف يتصوَّر للأخرس أن يقول ذلك.
          قلت: أراد بقوله القول باليد؛ أي: إشارته فلفظ (أشار بأصابعه) تفسير لقوله: (أنت طالق)؛ يعني: إذا أشار بإصبعه مريدًا أنَّه طلاقها تصير بائنة بذلك، ويحتمل أن يريد به الناطق لا الأخرس، ويكون معناه إذا قال المتكلِّم: أنت طالق وأشار بالإصبع إلى عدد الطلقات الثلاث.
          (تبين منه): المبانة الكبرى بمقتضى الإشارة.
          ابن بطَّال: اختلفوا في لعان الأخرس، فقال الكوفيُّون: لا يصح قذفه ولا لعانه، فإذا قذف امرأته بإشارته؛ لم يحد ولم يلاعن، وقالوا: يلزم الأخرس الطلاق والبيع، قال أبو حنيفة: إن كانت إشارته تُعرف في طلاقه ونكاحه وبيعه وكان ذلك منه معروفًا، فهو جارٍ عليه، وليس ذلك بقياس، وإنَّما هو استحسان، والقياس في هذا كلِّه باطل، فقال ابن بطَّال: في ذلك إقرار منه أنَّه حكم بالباطل؛ لأنَّ القياس عنده حقٌّ، فإذا حكم بضده وهو الاستحسان؛ فقد حكم بضدِّ الحقِّ، ودفع القياسَ الذي هو حقٌّ، قال: وأظنُّ أنَّ البخاريَّ حاول بهذا الباب الرَّدَّ عليه؛ لأنَّه ◙ حكم بالإشارة في هذه الأحاديث، وجعل ذلك شرعًا لأمَّته.]
/


[1] في الأصل: (بإشارته)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.