مصابيح الجامع الصحيح

باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر

          ░16▒ (باب: ما ذكر)
          إن قلتَ: ظاهر التَّبويب أنَّ سيِّدنا موسى ◙ ركب البحر لمَّا توجَّه في طلب الخضر، والَّذي ثَبَتَ أنَّه خرج في البرِّ؟
          فالجواب: أنه يُحتمَل قوله: (إِلَى الخَضِرِ) على أنَّ فيه حذفًا؛ أي: إلى مَقْصد الخضر؛ لأنَّ سيِّدنا موسى لم يركب البحر لحاجة نفسه، وإنَّما ركبه تبعًا للخضر، ويحتمل أن يكون التَّقدير ذهاب موسى في ساحل البحر، فيكون فيه حذفٌ، ويمكن أن يقال: مقصوده الذَّهاب إنَّما حصل بتمام القصَّة، ومن تمامها أنَّه ركب معه البحر، فأطلق على جميعها ذهابًا مجازًا، أمَّا مِن إطلاق الكلَّ على البعض، أو مِن تسمية الشَّيء باسم ما تسبب عنه.
          وحمله ابن المنيِّر على أنَّ (إلى) بمعنى (مع).
          وقال ابن رشيد: يُحتمَل أن يكون ثبت عند البخاريِّ أنَّ موسى توجَّه في البحر لمَّا طلب الخضر، انتهى.
          ولعلَّه قوي عنده أحد الاحتمالين في قوله: فكان يتَّبع أثر الحوت في البحر، فالظَّرف يحتمل أن يكون لموسى، ويحتمل أن يكون للحوت، ويؤيِّد الأوَّل ما جاء عن أبي العالية وغيره، فروى عبد الرَّحمن عن أبي العالية أنَّ موسى التقى بالخضر في جزيرة من جزائر البحر، انتهى.
          والتوصُّل إلى جزيرة البحر لا يقع إلَّا بسلوك البحر غالبًا، وعنده من طريق الرَّبيع بن أنس قال: إن جاب الماء عن مسلك الحوت، فصارت طاقة مفتوحة، فدخلها موسى على أثر الحوت حتَّى انتهى إلى الخضر، فهذا يوضِّح أنَّه ركب البحر إليه، وهذان الأثران موقوفان رجالهما ثقاتٌ.