مصابيح الجامع الصحيح

باب الاغتباط في العلم والحكمة

          ░15▒ (باب: الاغتباط في العلم والحكمة)
          قوله: (وَالحِكْمَةِ) الحكمة معرفة الأشياء على مَا هي عليه، فهي مرادفةٌ للعلم، فالعطف عليه من باب العطف التَّفسيريِّ، إلَّا أنَّ يفسَّر العلم بالمعنى الأعمِّ من اليقين المتناول للظَّنِّ أيضًا، أو تُفسَّر الحكمة بما يتناول سداد العمل أيضًا.
          وقال والدي ☼: المراد بها _أي للحكمة أنواعٌ والله أعلم_ القرآن، ويؤيِّده حديث ابن عمر ╠ (آتاه الله القرآن [خ¦7529]).
          وقال النَّوويُّ: الحكمة: كلُّ ما منع من الجهل وزجر عن القبيح، انتهى.
          وهذا الَّذي فهمه البخاريُّ، فإنَّه قال: (باب الاغتباط في العلم والحكمة).
          إشارة: الغبطة لغة: أن يتمنَّى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه.
          والحسد: أن تتمنَّى زوال نعمة المحسود إليك وبناء باب الافتعال منها يدلُّ على التَّصرف، والسَّعي فيها.
          قوله: (وَقَالَ عُمَرُ) ليس من تمام التَّرجمة إذ لم يذكر بعده شيء يكون هذا متعلِّقًا به، إلَّا أن يقال الاغتباط في الحكمة على القضاء؛ لا يكون إلَّا قبل كون الغابط قاضيًا، ويؤوَّل حينئذ.
          وقال: بمعنى المصدر؛ أي: قول عمر، ووجه مطابقة قول عمر ☺ التَّرجمة أنَّه جعل السِّيادة من ثمرات العلم، وأوصى المطالب باغتنام الزِّيادة، قبل بلوغ درجة السِّيادة وذلك / يحقِّق استحقاق العلم لأن يغتبط به صاحبه؛ لأنَّه سبب سيادته.
          قوله: (تُسَوَّدُوا) أي: تُعَظَّموا، أو لا تأخذوا عن الأصاغر فيُزْرَى بكم ذلك أو تتزوَّجوا.
          إشارة: قال ابن بطَّال: قال عمر ╩ وذكره: لأنَّ من سوَّده النَّاس يستحيي أن يقعد مقعد المتعلِّم خوفًا على رئاسته عند العامَّة.
          وقال ابن معين: مَنْ عاجل الرِّئاسة فاته علمٌ كثيرٌ، وقيل: إنَّ السِّيادة تحصل بالعلم، وكلَّما ازداد العلم زادت السِّيادة، فقصد عمر الحثَّ على الزِّيادة منه قبل السِّيادة لتعظيم السِّيادة به، وفي بعض النُّسخ بدل تفهموا تفقهوا، وكلاهما بمعنى الأمر، (تَسْوَدُّوا) الكرمانيُّ: بفتح الواو المشدَّدة مشتقٌّ من التَّسويد الَّذي من السِّيادة، وفي بعضها: وقال البخاريُّ: بعد أن تسودوا، وقد تعلَّم أصحاب النَّبيِّ ◙ في كبر سنِّهم، ولا بدَّ من مقدَّر يتعلَّق به لفظ (وبعد) والمناسب أنَّ يُقدَّر لفظ (تفهموا) بمعنى الماضي، فيكون لفظ (تسوَّدوا) بفتح التَّاء ماضيًا، كما أنَّه يحتمل أن يكون (تسودوا) من التَّسويد الَّذي من السَّواد؛ أي: بعد أن سوَّدوا لحيتهم مثلًا؛ أي: في كبرهم، أي: بعد زوال السَّواد؛ أي: في الشَّيب، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.