التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس

          2692- قوله: (عَنْ صَالِحٍ): تَقَدَّم مرارًا أنَّه ابن كيسان، وقد تَقَدَّم مُتَرجَمًا مرَّةً [خ¦51]، وكذا تَقَدَّم (ابْن شِهَابٍ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم الزُّهريُّ، وكذا تَقَدَّم (حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه ابن عوف الزُّهريُّ، وتَقَدَّم مُتَرجَمًا [خ¦37].
          قوله: (أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بنِ أَبِي مُعَيْطٍ): تَقَدَّم الكلام عليها، وهي أختُ الوليدِ وعُمَارةَ، وأختُ عثمانَ بنِ عفَّان لأمِّه، صَلَّتِ القبيلَتَين، وهَاجرت إلى المدينة ماشيةً عام الحديبية، وفيها نزلت آيةُ الامتحان، فتزوَّجها زيدُ بن حارثة(1)، ثمَّ الزُّبير بن العوَّام، ثمَّ عبد الرَّحمن بن عوف، فولدت له إبراهيمَ وحُمَيدًا، ومات عنها، فتزوَّجها عَمرو بن العاصي، فماتت بعد شهر، صحَّ لها حديثٌ، وقال ميمون بن مِهران: كانت تحت الزُّبير، وكان فيه شدَّة على النِّساء، وأبوها: عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي(2) عمرٍو ذكوانَ بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، كافرٌ معروفٌ، قُتِل صبرًا بعد انصرافه ╕ من بدر بمضيق الصَّفراء، والله أعلم.
          قوله: (فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا): قال السُّهيليُّ في «روضه»: (قال أهل العلم: معناه: أن يُعرِّض ولا يفصح بالكذب؛ مثل أن يقول: سمعته يستغفر لك ويدعو لك، وهو سمعه يستغفر للمسلمين ويدعو لهم؛ لأنَّ الآخَر من جملة المسلمين، ويحتال في التَّعريض ما استطاع، ولا يختلق الكذب اختلاقًا، وكذلك في خديعة الحرب يُورِّي ويُكنِّي ولا يختلق كذبة يستحلُّها بما جاء من إباحة الكذب في خُدَع الحرب، هذا كلُّه ما وَجَدَ إلى الكناية سبيلًا)، وقد ذكر النَّوويُّ هذا الحديثَ وقولَه: (لم أسمعه رخَّص(3)...) إلى آخره: (قال القاضي: «لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصُّور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؛ فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا قولَ ما لم يكن في هذه المواضِع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرَّةٌ»، ثمَّ ذكر ما احتجُّوا به، ثمَّ قال: «وقال آخرون _منهم الطَّبريُّ_: لا يجوز الكذب في شيء أصلًا، قالوا: وما جاء من الإباحة(4) في هذا المرادُ به(5): التَّورية واستعمال المعاريض، لا صريح الكذب»...) إلى آخر كلامه، انتهى، وقد قَدَّمتُ كلام السُّهيليِّ أنَّه نقله عن أهل العلم، ثمَّ إنِّي رأيت شيخنا نقل في «شرحه» في (الجهاد) في حديث: «مَنْ لِكعب بن الأشرف؟» [خ¦3031] عن المُهلَّب: (أنَّه لا يجوز الكذبُ الحقيقيُّ في شيء مِنَ الدِّين أصلًا، ومحالٌ أن يأمره بالكذب، وهو ╕ يقول: «مَن كذب عليَّ مُتعمِّدًا»...) إلى آخر كلامه، وإنَّما هو توريةٌ وتعريضٌ، ونُقِل / عن ابن بطَّال أنَّه قال: (سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث _يعني: الحديث الذي فيه: «مَن لكعب ابن الأشرف؟»_ فقال لي: الكذب الذي أباحه الله في الحرب هو المعاريضُ).
          قوله: (فَيَنْمِي): هو ثلاثيٌّ مُخفَّفٌ، يقال: نَمى خيرًا؛ مخفَّفًا، ونمَّى؛ مُشدَّدًا ومُخفَّفًا: في الشَّرِّ(6)، قال ابن قُرقُول: (في حديث الإفك: «نَمَّى» [خ¦3388]: مُشدَّدًا، وقرأه أبو ذرٍّ مُخفَّفًا، ونَمَى خيرًا: مخفَّفًا)، انتهى، وأمَّا الجوهريُّ؛ فذكر المُخفَّف في الخير، والمُشدَّد في الشَّرِّ، ورأيت بعضهم قال: (نَمَى: بالتَّخفيف، يقال: نمى الحديث: نقله على وجه الإصلاح، ونمَّاه؛ بالتَّشديد: على وجه الإفساد، قاله أبو عُبيدة وابن قتيبة، وقال الحربيُّ: هي مُشدَّدةٌ، وأكثر المُحدِّثين يخفِّفونها، وهذا لا يجوز، فإنَّه ╕ لم يكن يلحن، ومَن خفَّف؛ لزمه أن يقول: «خيرٌ»، قال أبو السَّعادات: وهذا ليس بشيء، فإنَّه ينتصب بـ«ينمي» كما ينتصب بـ«قال»، وكلاهما على زعمه لازمان، وإنَّما «نمى» مُتعدٍّ، يقال: نَمَيتُ الحديث؛ أي: رفعته وأبلغته).


[1] في (ب): (الحارثة).
[2] (أبي): سقط من (ب).
[3] في (ب): (رخصه).
[4] في (ب): (جاء الإباحة به).
[5] زيد في (ب): (القرينة).
[6] في (ب): (الشري)، وهو تحريفٌ.