التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: لا يشرب الخمر

          ░1▒ قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نُزِعَ مِنْهُ نُورُ الإِيمَانِ) هذا تفسيرٌ لما في حديث: ((لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مؤمن)) وقد اختلفوا في تأويله، فذهب قومٌ إلى أنَّ المراد منه النَّهي وإن ورد على صيغة الخبر، أي: لا يزني الزَّاني ولا يشرب الخمر إذ هو مؤمنٌ، ولا يليق مثل هذه الأفعال بأهل الإيمان.
          وقال قومٌ: معناه الزَّجر والوعيد دون حقيقة الخروج عن الإيمان، والإنذار والتَّحذير بسوء العاقبة فإنَّه إذا أعاد هذه الأمور لم يؤمن أن يقع في ضدِّ الإيمان وهو الكفر، كما قال صلعم : ((مَن يرتع حول الحمى يُوشك أن يواقعه)).
          وقيل: معناه نقصان الإيمان، يريد لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مؤمنٌ مستكمل الإيمان، بل هو قبل أن يقدم على الفجور وبعد أن فرغ مِنه وتاب أكمل إيمانًا منه حال اشتغاله بالفجور، وقد ورد معنًى آخر في تأويله مرفوعًا عن أبي هريرة قال: قال / رسول الله صلعم : ((إذا زَنا العبد خرج منه الإيمان، فكان فوق رأسه كالظلَّة فإذا خرج مِن ذلك العمل رجع إليه الإيمان)) رواه الترمذيُّ وأبو داود.
          قال الطَّيبيُّ: ويمكن أن يُقال: إنَّ المراد بالإيمان المنفيِّ هو الحياء، لما سبق: ((إنَّ الحياء من الإيمان)) أي: لا يزني الزاني حين يزني وهو يستحي (1) مِن الله لأنَّه لو استحيا منه واعتقد أنَّه حاضرٌ شاهدٌ لحاله لم يركب هذا الفعل الشَّنيع. وقال ابن حزمٍ: الإيمان الزَّائل المرتكب هذه الأمور هو الطَّاعة لله فقط، وهذا أمرٌ مشاهدٌ باليقين، لأنَّ الزِّنا وشرب الخمر ليس في شيءٍ منها طاعةٌ فليست إيمانًا، ففاعلها ليس مطيعًا.
          وقال الطَّبريُّ: أنكر بعضهم أن يكون الشَّارع قال: لا يزني الزَّاني وهو مؤمنٌ بهذا اللَّفظ قال، وإنَّما قال: لا يزنينَّ مؤمنٌ ولا يشركنَّ مؤمنٌ)). وما (2) آخرون عنى بذلك أنْ لا يزني وهو مستحلٌّ له غير مؤمنٍ بتحريم الله ذلك عليه، وأمَّا أن يعتقد تحريمه فهو مؤمنٌ، روى ذلك عِكرمة عن ابن عبَّاسٍ وحجَّته حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: ((مَن قال لا إله إلَّا الله دَخل الجنَّة، وإنْ زنا وإن سرق وإنْ رغم أنف أبي ذرٍّ)).


[1] في الأصل تحتمل:((يستحيي)).
[2] كذا صورتها في الأصل وتحتمل:((وأمَّا)).