التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول الله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}

          ░28▒ (بَابُ قَوْلِه تَعَالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}[الواقعة:82] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُكْرَكُمْ)
          هذا رواه عبد بن حُميد في «تفسيره» مِن حديث عكرمة عنه ومِن حديث عمر عنه في الاستسقاء بالأنواء، ورُوي عن علي بن أبي طالب أنَّه كان يقرأ:▬وَتَجْعَلُونَ شكركم أَنَّكُمْ تَكَذِبُونَ↨ بفتح التاء وتخفيف الذَّال، وهي قراءةٌ تتناول التفسير، وذكرتْ عن ابن عباس أيضًا، إلَّا أنَّها مخالفة للمصحف الذي وقع الإجماع عليه، وقيل: معناه شكر رزقكم، كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف:82] وقال الطَّبري، إن قيل: كيف يكون الرزق بمعنى الشكر؟ ثمَّ أجاب عنه بمخارج في اللُّغة أحدها: أن يُراد به وتجعلون ما جعله الله سببًا لرزقكم مِن الغيوث / أنَّكم تكذبون به، ثمَّ تُرك ذكر السَّبب وأُقيم الرِّزق مكانه إذ كان مؤدِّيًا عنه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}[آل عمران:175] بمعنى يخوف بأوليائه إذ كان معلومًا أنَّه لا يخوف مَن كان له وليًّا، وإنَّما يخوف مَن كان له عدوًا فاكتفى بذكر أوليائه.
          ثانيها: أن يكون {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ}[الواقعة:82] مِن الغيث الَّذي به حياتكم ووجب عليكم به شكر ربكِّم تكذيبكم به فاكتفى بذكر الرِّزق عن ذكر الشُّكر، إذ كان معلومًا أنَّ مَن رَزق إنسانًا فقد اصطنع له معروفًا يستوجب به منه الشُّكر له.
          ثالثها: أن يكون الرِّزق اسمًا مِن أسماء الشُّكر، وَحديث (1) عن الهيثم بن عدي أنَّه قال: مِن لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان فلانًا أي ما شكره.
          قال المهلَّب: وتعلُّق الترجمة بهذا الحديث هو أنَّهم كانوا ينسبون الأفعال إلى غير الله تعالى فيظنون أنَّ النَّجم يرزقهم ويمطرهم فهذا تكذيبهم، فنهاهم الله تعالى عَن نسبة الغيوث الَّذي جعلها حياة لعباده وبلاده إلى الانواء، وأمرهم أنْ يضيفوا ذلك إليه، لأنَّه مِن نعمته وفضله عليهم، وأنْ يفردوه بالشُّكر على ذلك، والحمد على تفضُّله.


[1] كذا في الأصل.