التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول النبي: نصرت بالصبا

          ░26▒ (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم نُصِرْتُ بِالصَّبَا) هي بفتح الصاد المهملة، مقصوده الريح الشِّرقية التي تهبُّ مِن موضع تطلع الشَّمس إذا استوى اللَّيل والنَّهار، وهي القبول أيضًا، وذكر الشَّافعي بإسناده عَن محمِّد بن عمرو أنَّ النبيَّ صلعم قال: ((نُصرت بالصبا وكانت عذابًا على مَن كان قبلنا)) انتهى.
          ومقابل الصَّبا الدَّبور ومقابل الشِّمال الجنوب، وهذه الرِّياح الأربع، قال الجوهري: مهبُّ الصَّبا المستوي أن يهبَّ مِن مطلع الشمس إذا استوى اللَّيل والنهار، والشِّمال الرِّيح الَّتي تهبُّ مِن ناحية القطب يعني الجدي لأنِّها تأتي مِن ناحية الشِّمال، والوارد في أشعار العرب وأموالهم أنَّ الجنوب تجمع السَّحاب والشِّمال تقصره فيأتي بالمطر، والصَّبا يسلي عَن المكروب جهد البليَّة يأتي بخير، وهي كما جاء في التفسير مِن أنَّ ريح الصَّبا التي حملت ريح يوسف قبل البشير إلى يعقوب ◙ ، فإليها يستريح كلُّ محزون، وقال الدَّاودي: إذا أراد الله نصر قومٍ أتت الرياح مِن جهتهم فسدَّت عيون مقابليهم فأوهمتهم، وَمنه قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}[الأحزاب:9] والرِّيح القبول هي الَّتي تأتي مِن مطلع الشَّمس، وقيل لها: قبولًا لأنَّها كانت قبل الإسلام، وقال الفرَّاء: سُمِّيت الصَّبا قبولًا لأنَّها تقابل باب الكعبة، والدَّبور بفتح الدال هي الغربية وهي الرِّيح العقيم، لأنَّها تلقح (1) الشَّجر وتهدم البُنيان وتقلع الأشجار، وهي مذمومة في القرآن العظيم، وسُمِّيت دبورًا لأنَّها تأتي مِن دُبر الكعبة.
          وقوله صلعم : (نُصِرْتُ بِالصَّبَا) يريد مَا أنعم الله تعالى به على المسلمين في غزوة الخندق، وكان ╕ في شدَّة وضيق، وتجمَّعت المشركون لقتاله، فبعث الله على المشركين ريحًا باردة في ليالي شاتية شديدة البرد، وَكانت ريح الصَّبا، فأطفأت النِّيران وقطعت الأطناب وألقت المضارب والأجنبة، وألقى الله تعالى عليهم الرُّعب فانهزموا مِن غير قتال ليلًا.


[1] هكذا في الأصل وقد تكون سقطت _لا_ سهواً، وهو مخالف للمعنى لأنه لا تلقح الشجر.