تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: كنت لك كأبي زرع لأم زرع

          3208- وفي حَدِيْثِ أُمِّ زَرْعٍ:
          (زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ) أي مَهْزولٌ، على رأسِ جَبَلٍ: تَصِف قِلَّةَ خَيرِهِ وبُعدُهُ مع القِلَّةِ، كالشيءِ التَّافِهِ في قُلَّةِ الجَّبَلِ الصعبِ، لا يُنال إلا بالمشقَةِ في الصعودِ إليهِ وتَكَلُّفِ الانحدارِ بِهِ، يُبيِّنُ ذلكَ قولهَا: (لا سَهْلٌ / فيُرْتَقَى) تعني: الجبلَ.
          (وَلَا سَمِيْنٌ فيُنْتَقَى) يعني اللَّحْمُ ليس له نِقْيٌ وهو المُخُّ، وقلةُ المُخِ دليلٌ على الهُزَالِ. ومن رواهُ فيُنْتَقَلَ، أي: لهُزَالِهِ لا ينقُلُهُ الناسُ إلى منازِلِهم للأكلِ، بل يزهدونَ فيه ويرغبونَ عَنْهُ، ولا يَتَكَلَّفُوْنَ المشقَّةَ فيهِ.
          وقولُ الأُخْرَى: (أَذْكُرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ) العُجَرُ العُرُوقُ المعَقَّدَةُ في الجسدِ، حتى تَراها باديةً من الجسدِ ظاهرةً، والبُجَرُ نحوُها، إلا أنَّها في البطنِ خاصَّةً، واحدُهَا بُجْرَةٌ، وهو كالانتفاخُ، ومنهُ يُقالُ: رجلٌ أبْجَرُ إذا كان عظيمَ البطنِ أو ثاني السُّرَّةِ، والجمعُ بُجَرٌ، ومنهُ قولُهُ: «إِلَيْكَ أَشْكُوْ عُجَرِي وَبُجَرِي»، أي هُمُومِي وأحزَانِي، والمرادُ أنَّها ذكرتْ عُيُوبَهُ وأسرارَهُ التي تَشْتَكِيْهَا منهُ واسْتَكثَرتْهَا.
          وقولُ الأُخرى: (زَوْجِي العَشَنَّقُ) أي أنَّهُ طويلٌ ليس عندهُ أكثرُ من طولِهِ بلا منفعةٍ، فإن ذكرتُ ما فيه طَلَّقَني، وإن سَكتُّ تركني مُعَلَّقةً، لا أيِّماً ولا ذاتَ بعلٍ، ضائعةً، قال تعالى: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:129].
          وقولُ الأخرى: (زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ)، ضَربتْ ذلكَ مثلاً؛ أي ليسَ عندَهُ أذى ولا مَكرُوهٌ؛ لأنَّ الحَرَّ والبَردَ كلاهُما فيه أذى إذا اشْتَدَّ، وقولُها: (وَلَا مَخافَةَ) أي ليسَ عندَهُ غائلةٌ ولاشرٌّ أخافُهُ، (وَلَا سَآمَةَ) تقول لا يَسْأَمُنِي فيُقِل صُحبَتِي، أي هو مُعْتَدِلُ الأمورِ.
          وَقَول الْأُخْرَى: (إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ) فَإِن اللَّفَّ فِي الْأكلِ الْإِكْثَارَ من المطْعَمِ مَعَ التَّخْلِيطِ من صنوفِهِ حَتَّى لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئاً، والاشتفافُ فِي المشربِ استقصاءُ مَا فِي الْإِنَاء.
          وقولُها (لَا يُوْلِجُ الكَفَّ) لعلَّهُ كان بجسَدِها عيبٌ أوداءٌ تكتئبُ / منهُ وتسترُهُ، لأنَّ البَثَّ هو الحزنُ، تقولُ: فهو لا يُدخِل كَفَّهُ في ثيابِها ليبحثَ ذلكَ العيبَ فيَشُقَّ عليها، تصفُهُ بالتكرُّمِ والتَّغَافُلِ، وتركِ المباحثةِ.
          وقولُ الأخرى: (إِنْ دَخَلَ فَهِدَ) تَصِفُهُ بكثرةِ النومِ والغفلَةِ في المنزلِ، على وجهِ المدحِ لهُ، والفهْدُ موصوفٌ بكثرةِ النومِ، وفي المثلِ: أَنْوَمُ مِنْ فَهِدٍ، والذي أرادتْ أنَّه لا يتفقَّدُ ما يذهبُ من مالِهِ، ولا يلتفتُ إلى معايبِ البيتِ وما فيه، كأنَّه سَاهٍ عن ذلكَ، غير متفقدٍ له؛ وبيانُ ذلكَ في قولها: «لَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ» يعني عمَّا كان يَعهدُهُ قبل ذلك عندَهَا، ويُقالُ: فَهِدَ الرَّجُلُ، إذا غَفَلَ عن الأمورِ، شُبِّهَ بالفَهِدِ.
          (وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ) تَصِفُه بالشجاعةِ إذا خرجَ إلى الناسِ ومشاهدَةِ الحربِ ولقاءِ العَدُوِّ؛ أَسِدَ في ذلك أي صارَ أسداً، أو قامَ مَقَامَ الأسدِ في حمايتِهِ وشجاعَتِهِ، يُقالُ: أَسِدَ الرَّجُلُ واسْتأسَدَ بمعنًى واحدٍ.
          وقولُ الأُخرى: (زَوْجِي عَيَايَاءُ أَوْ غَيَايَاءُ) شَكَّ الراوِي، قالوا: والصحيحُ بالعيِن المهملَةِ، والعَيَايَاءُ: هو العِنِّينُ الذي يُعْيِيْهِ مُباضَعةُ النساءِ، وكذلكَ هو في الإبلِ الذي لا يَضربُ ولا يُلْقِحُ.
          (وَالطَّبَاقَاءُ) الغَبِيُّ الأحمقُ، قالَ ابنُ الأعرابيِّ: هو المُطْبَقُ عليهِ حُمْقاً، (وَكُلُّ داءٍ لَهُ داءٌ) أي هو فيه لا يخلو منهُ، وحسبُكَ من حمقهِ أنَّها لا تأمنُ أن يَشُجَّها؛ والشَّجُّ شَجُّ الرأسِ وهو الشَّقُّ فيهِ، أو يَفُلَّهَا؛ والفَلُّ نحو الشَّجِّ وهو تأثيرٌ في الجسدِ، ومنهُ فلولُ السَّيْفِ وهي تأثيراتٌ فيه وانثلامٌ في حدِّه، وواحدُ الفُلُوْلِ فَلٌّ.
          وقولُ الأُخرى: (المَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ) وصَفَتْهُ بحُسنِ الخُلقِ ولينِ الجانِبِ، تَشبيهاً بمسِّ الأَرْنَبِ ولِينِ وَبَرِهَا.
          (وَالرِّيْحُ رِيْحُ زَرْنَبٍ) / فهو نوعٌ من أنواعِ الطِّيبِ معروفٌ، تعني أنَّ ذِكرَه جميلٌ، واختيارَه مُسْتحسنٌ، ويَحتمِل أن تُريدَ طِيبَ رِيْحِ جَسَدِه، وكثرةَ استعمالِه للطِّيبِ في ثيابِهِ، حتى يظهرَ ذلكَ منه عندَ لقائِه.
          وقولُ الأخرى: (رَفِيْعُ العِمَادِ) تَصفُهُ بالشَّرَفِ وعُلُوِّ القَدرِ، وأصلُ العِمادِ عِمَادُ البيتِ، وهذا مَثَلٌ، وصَفتْهُ بارتفاعِ الحَسَبِ.
          (طَوِيْلُ النَّجَادِ) تصفُهُ بامتدادِ القامَةِ، والنِّجادُ حَمَائلُ السَّيفِ، يُكَنَّى بطولِ النَّجادِ عن طولِ المَسْرُوجِ.
          وقولها: (عَظِيْمُ الرَّمَادِ) وصَفَتْه بكثرةِ الضِّيَافَةِ من لحومِ الإبلِ وغيرِها، وإذا نَحَرَ وذَبَحَ عَظُمَتْ نارُهُ وكثُرَتْ وَقُوْدُهُ، فيكونُ الرمادُ في الكثرةِ على قَدْرِ ذلك.
          وقولها: (قَرِيْبُ البَيْتِ مِنَ النَّادِي) أي يَنْزِلُ بين الناسِ، وقريباً من أَنْدِيَتِهِمْ، _وهي مجالسُهُمْ_ لِيَعلمُوا مكانَهُ ويَسْهُلَ عليهم قَصْدُهُ واستضافَتُهُ، ولا يَبعُدَ عنهم، ولا يَسْتَخْفِيَ منهم، وهذا من الكرمِ المَحْضِ.
          وقولُ الأُخرى: (مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ) تعظيماً لأمرِهِ، وتفخيماً لشأنِهِ، وأنَّهُ خيرٌ مما ذكرتْهُ به من الثَّناءِ عليهِ.
          (لَهُ إِبِلٌ قَلِيْلاتُ المَسَارِحِ) تقولُ إنه لا يُوَجِّهُهَنَّ يَسْرَحْنَ نَهَاراً إلا قَليلاً، ولكنَّهُنَّ يُكثِرْنَ البُرُوْكَ بفِنائِهِ عُدَّةً لوُرُوْدِ الأضيافِ، فإن نزلَ به ضيفٌ لم تكنْ الإبلُ غائبةً عنهُ، ولكنَّها قريبةٌ منهُ، فيُبادِرُ إلى من نَزَلَ بهِ بالقِرَى، من ألبانِها ولحُومِها.
          (إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ المَزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ) أرادَتْ أنَّ زوجَهَا من عادَتِهِ إذا نزلَ به الضِّيْفَانُ أن يَنْحَرَ لهم، ويَسْقيَهُمْ، ويأتيَهم بالمعازفِ والملاهِي إكراماً لهم، فقد صارَتِ الإبلُ إذا سمعتْ ذلك الصَّوتَ أَيْقَنَّ بنحرِهِ لهُنَّ لأضيافِهِ، وكذلكَ / قالت: أيْقَنَّ أنَّهُنَّ هَوَالِكُ.
          وقولُ الآخِرَةِ في تفخيمِ زوجِها أيضاً: (زَوْجِي أَبُوْ زَرْعٍ، وَمَا أَبُوْ زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ) تريدُ أنه حلَّانِي قُرْطَهُ، وشُنُوْفاً تَنُوسُ بأُذُني تتعلَّقُ، والنَّوسُ الحركةُ من المعاليقِ ونحوِها.
          (وَمَلأَ مِنْ شَحْمِ عَضُدَيَّ) أرادتْ به الجَّسَدَ كُلَّهُ، أي أسمَننِي بإحسانِهِ إليَّ، وإذا سَمِنَتْ العَضُدُ سَمِنَ سَائرُ الجسدِ.
          وقولها: (وَبَجَحَنِي فَبَجَحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي) وتَبَيَّنَ مَوْقِعُهُ مِنِّي.
          (وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشَقٍّ) بفتح الشينِ: موضعٌ، والمحدثونَ يَكْسِروَنها، والشِّقُّ النَّاحِيَةُ، والشِّقُّ المشقةُ، قالَ تعالى: {إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل:7] أرادتْ أن أهلَها كانوا أصحابَ غَنَمٍ، ليسوا بأصحابِ خيلٍ ولا إِبِلٍ.
          (فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيْلٍ وَأَطِيْطٍ) فالصَّهيلُ أصواتُ الخيلِ، والأطيطُ أصواتُ الإبلِ.
          (دَائِسٍ وَمُنَقٍّ) قيل الدائسُ للطعامِ، يعني أنهم أهلُ زرعٍ، والمُنَقِّي الذي يُنقِّي الطعامَ، ويُراعي تنظيفَهُ.
          (فَعِنْدَهُ أَقُوْلُ فَلَا أُقَبَّحُ) أي: يُقبَلُ قولي ولا يُرُدُّ.
          (وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ) أي أَروَي حتى أدعَ الشرابَ من شدَّةِ الرِّيِّ، يُقالُ: ناقةٌ قامِحٌ، وإبلٌ قِمَاحٌ، ولم تقل هذا إلا من عِزَّةِ الماءِ عندَهُم، وكُلُّ رافعٍ رأسَهُ فهو مُقْمَحٌ، قالَ تعالى: {فَهُمْ مُقْمَحُوْنَ} [يس:8] والإبلُ لا ترفعُ رُؤُوْسَهَا عندَ الوُرُوْدِ إلا بعدَ تَنَاهِيْهَا في الشُّربِ والاستغناءِ عن العودَةِ، فإن بقيتْ لها إرادةٌ في الشُّرْبِ عادَتْ ولم تَتَمَادَى على الرَّفْعِ، ومن رواهُ بالنونِ فمعناهُ: أن تَشربَ فوقَ الرِّي فتزدادَ، يُقالُ: قَنَحْتُ من الشرابِ أقنحُ قَنْحاً، إذا تكارَهْتَ على الشربِ بعد الرِّي وبلوغِ الغايةِ.
          (وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ) تعني أنها تستَوفي عندَهُ نومَهَا، ولا يُكْرِهُهَا على الانتباهِ والسيرِ في مهمةٍ أو عَمَلٍ.
          (عُكُوْمُهَا رَدَاحٌ) العكومُ جمع عُكْمٍ، / وهي الأحمالُ والغرائرُ التي فيها ضروبُ الأمتعةِ، والرَّداحُ: العظيمةُ الكثيرةُ الحَشْوِ.
          (مَضْجَعُهُ كَمَسَلِ شَطْبَةٍ) وأصلُ الشَّطْبَةِ ما شُطِبَ من جريدِ النخلِ، وهو سَعَفُهُ، وجمعها شُطُبٌ، وذلكَ أنه يُشقَّقُ منه قضبانٌ دِقَاقٌ تُنْسَجُ منه الحصرُ، يقالُ للمرأةِ التي تَفعلُ ذلك شاطِبَةٌ، وجمعها شَوَاطِبٌ؛ إنَّهُ ضَرْبُ اللحمِ أي خفيفُ الجسمِ دقيقُ الخَصْرِ شبَّهَتْهُ بتلكَ الشَّطْبَةِ، وقيل أرادَتْ بمَسَلِّ الشطبَةِ سيفاً سُلَّ من غمدِهِ شبَّهتْهُ به.
          (وَتَكْفِيْهِ ذِرَاعُ الجَفْرَةِ) والجَفْرَةُ الأُنْثَى من أولادِ الغَنَمِ، والذكرُ جَفْرٌ، والعربُ تمدحُ الرَّجُلَ بِقِلَّةِ الأكلِ والشربِ، قالَ شَاعِرُهُمْ:
          تَكْفِيْهِ فِلْذَةُ كِبْدٍ إِنْ أَلَمَّ بِهَا مِنَ العَشَاءِ وَيَرْوِي شُرْبَهُ الغُمْرُ
          وإذا أتى على أولادِ العنْزِ أربعةُ أشهرٍ وفُصِلَ عن أمِّهِ وأخذَ في الرَّعي، قيلَ له جَفْرٌ، ويُقالُ: استجْفَرَ الصَّبِيُّ، إذا قَوِيَ على الأكلِ، فهو جَفْرٌ.
          وقولها: (لَا تَنِثُّ حَدِيْثَنَا تَنْثِيْثاً) ورُوِيَ بالباءِ وهما مُتقاربانِ في المعنى، يُقالُ: نَثَّ الحديثَ أفشاهُ، وبثَّهُ بمعناهُ، أرادَتْ أنها مَأْمُوْنَةٌ لا تُفْشِي لنا سراً.
          (وَلَا تُنْقِّثُ مِيْرَتَنَا تَنْقِيْثاً) تقولُ إنها أمينةٌ على حفظِ طعامِنَا، لا تأخذُهُ فتذهبَ بهِ، والمِيْرَةُ ما يُمْتَارُ من موضعٍ إلى موضعٍ من دقيقٍ أو غيرِه، والتَّنْقِيْثُ الإسراعُ في السيرِ، يُقالُ: خرجَ يَتَنَقَّثُ في سيرِهِ إذا أسرَعَ.
          (خَرَجَ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ) الأوطابُ جمعُ وَطَبٍ، وهي أسقيةُ اللبَنِ، تمخضُ؛ أي يُستخرجُ زَبَدَهَا، بالتحريك.
          (يَتَثَنَّيَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ) قيل: يعني أنها ذاتُ كَفَلٍ عظيمٍ، فإذا استقلَتْ نَبَا الكَفَلُ بها عن الأرضِ، حتى يَصِيْرَ تحتها فجوةٌ يجري فيها الرُّمَانُ، وقيلَ: أرادتْ / الثَّدْيَيْنِ، والأولُ أصحُّ.
          (السَّرِيُّ) الذي لهُ سَرْوٌ وجَلالَةٌ، وقيلَ: السروُ سَخاءٌ في مُرُوَّةٍ.
          (وَالشَّرِيُّ) الفرسُ الذي يَسْتَشْرِي في سيرِهِ؛ أي يلِجُّ نشاطاً، وقيلَ: الشَّرى الفرسُ المختارُ الفائقُ، ويُقالُ: شَرِى البعيرُ في سيرِهِ، إذا أسرعَ شرىً.
          (وَأَخَذَ خَطِّيّاً) يعني الرُّمْحَ، سُمِّيَ بذلكَ لأنَّهُ يأتي من ناحيةٍ من نواحِي البحرينِ، يُقالُ لها: الخَطُّ، يُنْسَبُ إليها، وأصلُها من الهندِ، قيلَ: وإنَّما قيلَ لِقُرَى البحرينِ وعُمَانَ: الخَطُّ؛ لأن ذلكَ السَّيْفَ كالخطِّ على جانبِ البحرِ بين البرِّ والبحْرِ، فإذا انتهتْ السُّفُنُ المملوْؤَةُ رماحاً إليها؛ فُرِّغَتْ ووُضعَتْ في تلك القُرى حتَّى تُحمل منها، فنُسِبَتْ إليها.
          (وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَماً ثَرِيّاً) أي كثيراً، يُقالُ: أَثْرَى بَنُو فلانٍ إذا كثُرتْ أموالُهم.
          في روايةٍ: (صِفْرُ رِدَائِهَا) أي إنها ضَامِرَةُ البَطْنِ، وكان رِدَاؤُهَا صفراً؛ أي خالٍ لشدَّةِ ضُمُوْرِ بَطْنِهَا، فالرِّداءُ ينتهي إلى البطنِ.
          (وَمَلءُ كِسَائِهَا) أي أنها ذاتُ لحمٍ، فهي تملأُ كِسَاءَهَا.
          (وَغَيْظُ جَارَتِهَا) لما لهَا من الخِصَالِ التي تَفُوْقُهَا فيها، وتحسُدُها عليها، وفي روايةٍ أُخرى: «وَعَقْرُ جَارَتِهَا» أي: هلاكِهَا، في معنى ما قبلهُ من الحسدِ والغيظِ.
          (وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجاً) أي مِنْ كُلِّ ما يَروحُ عليه من أصنافِ أموالِهِ نصيباً مُضَاعَفاً، وفي بعضِ النُّسَخِ: من كلِّ ذابحةٍ زَوجاً، فإن صحَّ ولم يكن تصحيفاً، فقيل: يكونُ في معنى الأوَّلِ، ويكونُ فاعلٌ بمعنى مفعولٍ؛ أي من كلِّ شيء يجوزُ ردُّهُ، من الإبلِ والبقر ِوالغنمِ، والأولُ أَوْلَى.