تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: ما أنا بقارئ

          3182- (كَانَ يَتَحَنَّثُ) أي يَتَعَبَّدُ، أي: يفعلُ فعلاً يخرجُ به من الحِنْثِ، أي: من الإثمِ، كما يُقالُ: يتأثَّمُ، أي: يُلقِي الإثمَ عن نَفْسِهِ، ومُتحرِّجٌ، أي: يجتنبُ ما يوجبُ الحرجَ، والحرجُ الضَّيْقُ.
          (غَطَّهُ) حطَّهُ بشدةٍ، يُقالُ: غَطَّهُ في الماءِ، إذا أفرطَ في حَطِّهِ فيهِ.
          (زَمِّلُوْنِي وَدَثِّرُوْنِي) واحدٌ، وكل شيءٍ قد لُفِّفَ في شيءٍ: فقد زُمِّلَ.
          (الرَّوْعُ) الفَزَعُ.
          (تَحْمِلُ الكَلَّ) من الأثقالِ، والحوائِجِ المُهِمَّةِ والعيالِ، وكُلُّ ما يُتَكَلَّفُ ويَثْقُلُ حملُهُ؛ فهو كَلٌّ.
          (وَتُكْسِبُ المَعْدُوْمَ) منهم من جعلَ الكسبَ لنفسِهِ، وأنهُ يصلُ إلى كُلِّ شيءٍ معدومٍ، فلا يَتَعَذَّرُ عليهِ لبُعْدِهِ، وقيل: يُكْسِبُ المعدومَ؛ أي يعطيهِ غيره، ويوصِلُهُ إلى من هو مَعْدُوْمٌ عندَهُ، يُقالُ: / كسبتُ مَالاً، وكسبتُ زَيداً مالاً؛ أي أعنتُهُ على كَسْبِهِ، ومنهم من عدَّاهُ بالألفِ، فقال: أَكْسَبْتُ زَيداً مالاً، وأنشدَ:
          وَأَكْسَبَنِي مَالاً وَأَكْسَبْتُهُ حَمْداً
          وهذا الوجهُ أولى من الأولِ، وأشبهُ بما قبلَهُ في بابِ التَّفَضُّلِ والإنعامِ؛ إذ لا إنعامَ، ولا تفضُّلَ في أن يكسبَ هو لنفسهِ مالاً كان مَعدوماً عندَهُ، وبابُ الحَظِّ والسعادةِ في الاكتسابِ غيرُ بابِ التَّفَضُّلِ والإنعامِ.
          (النَّامُوْسُ) صاحبُ سِرِّ المَلِكِ الذي لا يحضرُ إلا بخيرٍ، ولا يُظْهِرُ إلا الجميلَ، ويُقالُ: نَامَسَهُ يُنَامِسُهُ مُنَامَسَةً إذا سارَّهُ، وسُمِّيَ جبريلُ ◙ نَاموساً؛ لأنه مخصوصٌ بالوحيِّ والغيبِ اللذينِ لا يَطَّلِعُ عليهما غيرُهُ.
          (يَا لَيْتَنِي فِيْهَا جَذَعٌ) فيها يعني في نبوةِ محمدٍ صلعم، يقولُ: يا ليتني كنت جَذَعاً؛ أي: شابّاً فيها يعني حين تظهرُ نُبُوَّتُهُ فأُبالغَ فيها نُصْرةً بقوةِ الشبابِ، والجَذَعُ من البهائمِ قبل أن تُثَنِي بسنةٍ، ويُقالُ: الدَّهْرُ جَذَعٌ أبداً؛ أي هو شابٌّ لا يَهْرَمُ، ويُقالُ لولدِ المِعْزَى أولَ سنةٍ: جَدْيٌّ، والأُنثى عَنَاقٌ، فإذا أتى عليهِ حولٌ فالذكرُ تَيْسٌ، والأنثى عَنْزٌ، ثم جَذَعٌ في السنةِ الثانيةِ، ثم ثَنِيٌّ ثم رَبَاعٌ.
          (النَّصْرُ المؤَزَّرُ) المؤكَّدُ القويُّ.
          (فَلَمْ يَنشَبْ وَرَقَهُ إِنْ مَاتَ) أي لم يلبثْ، كأنهُ فجَأهُ الموتُ قبل أن يَنْشَبَ في فعلِ شيءٍ، كنايةٌ عن عجلَةِ ذلكَ وسُرْعَتِهِ.
          (يَرْجُفُ فُؤَادُهُ) يضطربُ.
          (وَالبَوَادِرُ مِنَ الإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ) اللَّحْمَةُ التي بينَ العُنُقِ والمَنْكِبِ، الواحدةُ بادرةٌ، والشاهدُ في أنَّهُ قد يُقالُ في الحيوانِ قولُهُ:
          وَجَاءَتْ الخَيْلُ مَحْمُوْدٌ بَوَادِرُهَا
          (جَبَلٌ شَاهِقٌ) أي عالٍ، وجبالٌ شَوَاهِقٌ.
          (ذِرْوَةُ الجَّبَلِ) أعلاهُ. /
          (وَالتَّرَدِّيُّ) التَّهَوُّرُ، وهو وقوعٌ من عُلْوٍ إلى سُفلٍ.
          (فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ) أي يسكُنُ ما ثارَ من فَزَعِهِ، وهاجَ من حُزْنِهِ.
          (تَبَدَّى لَهُ) أي ظهرَ لهُ.