تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: ائذني له فإنه عمك، تربت يمينك

          3173- (تَرِبَ الرَّجُلُ) في أصلِ / اللُّغَةِ بمعنى افتقرَ، كأنه لَصَقَ بالتُّرابِ، وأترَبَ إذا اسْتَغْنَى، كأنُه قد صارَ لهُ من المالِ بقدرِ التُّرابِ، ثم جرى ذلكَ على ألسنَتِهِمْ في الدُّعاءِ، وهم لا يُرِيْدُوْنَ وقوعَ الأمرِ، وإنَّما يريدونَ بذلك إيجابَ اللائمَةِ عليهِ في تقصيرِهِ في ما كان يجبُ أن يَفْعَلَهُ أو يَفْهَمَهُ، وكذلكَ أيضاً قولُهُ صلعم: «عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّيْنِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».
          قالَ أبو عُبَيْدٍ: نَرَى أنَّهُ صلعم لم يتعمدْ الدعاءَ عليه، ولكنَّها كلمةٌ جاريَةٌ على ألسنةِ العربِ، قالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: معناهُ: للهِ دَرُّكَ! إن اسْتَعْمَلْتَ ما أمرتُكَ بهِ، وقالَ ابنُ عَرَفَةَ: أرادَ ترِبتْ يداكَ إن لم تفعلْ ما أمرتُكَ، وقد استدلُّوْا بقولهِ في حديثٍ جاءَ لخُزِيْمَةَ فيهِ: «أَنْعِمْ صَبَاحاً تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ»، أنه ليس بدعاءٍ عليهِ، بل هو دعاءٌ له، إذ لا يُقْرَنُ بالدعاءِ له دعاءٌ عليهِ، ويقولُ الفصيحُ من الشعراءِ:
هَوَتْ أُمُّهُ مَا يَبْعَثُ الصُّبْحُ غَادِياً                      وَمَاذَا يُؤَدِّي اللَّيْلُ حِيْنَ يَؤُوْبُ
          لأنَّهُ أرادَ المدحَ، أيْ: أيُّ رجلٌ يبعثُ الصبحَ منهُ، وأيُّ رجلٍ يُؤدِي الليلُ منهُ حين يؤوبُ إلى أهلِهِ، فظاهرُهُ ذمٌّ وباطنُهُ المدحُ والثَّناءُ.