مصابيح الجامع

باب من أراد غزوة فورَّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس

          ░103▒ (بابٌ: مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا) قال الزركشي: وَرَّى بغيرها؛ أي: تستَّرَ بغيرها، وأصلُه من وراء / الإنسان؛ إذْ (1) مَنْ ورَّى بشيء، فكأنه جعلَه وراءه.
          وقيَّده السيرافي في (2) «شرح سيبويه» بالهمز، قال: وأصحابُ الحديث لم يضبطوا الهمزَ فيه.
          قلت: غرَّه (3) هذا الكلام من (4) السيرافي، فظنَّ خطأَ المحدِّثين، وليس كذلك، ففي «الصحاح»: وارَيْتُ الشيء؛ أي: أَخْفَيْتُه، وتَوارَى هو؛ أي: استترَ، قال: ويقول: وَرَّيْتُ الخبرَ توريةً: إذا سترته وأظهرت غيره.
          فإن قلت: قد عقَّب هذا بقوله: ((كأنه مأخوذٌ من وراء الإنسان، كأنه يجعله (5) وراءه حيث لا يظهر))، ومقتضى هذا أن يكون بالهمز، فكيف يلتئم أولُ كلامه وآخره؟
          قلت: همزة وراء ليست أصلية، وإنما هي منقلبةٌ عن ياء، فإذا لوحظ في فعلٍ معنى وراء، لم يجز فيه الإتيانُ بالهمز؛ لفقدان الموجب لقلبها (6) في الفعل، وثبوته في وراء، وهذا مما يقضي بالقطع بخطأ الزركشي، ولا أدري مع هذا كيف يصحُّ كلام السيرافي؟ فتأمله.
          والمرادُ بالتورية: التعريضُ؛ كما إذا قصدَ غزوَ مكان قريب، فقال: ما مكانُ كذا إلا (7) بعيدٌ، وسألَ عنه وعن طريقه،فيفهم (8) السامع بسبب ذلك أنه يقصدُ المكانَ القريب، والمتكلمُ صادقٌ، لكنَّ الخللَ وقعَ في فهم السامع خاصة.


[1] في (د) و(ق) و(ج): ((لأن)).
[2] ((في)): ليست في (ق).
[3] في (د): ((غيره)).
[4] في (م) و(ج): ((في)).
[5] في (د): ((يأخذه)).
[6] في (د): ((لقلتها))، وفي (ق): ((لعلها)).
[7] في (د) و(ج): ((لا)).
[8] في (ق): ((ففهم)).