مصابيح الجامع الصحيح

باب الصلاة على النفساء وسنتها

          ░29▒ (باب: الصَّلاة على النُّفساء)
          ظنَّ ابن بطَّالٍ أنَّ مقصودَ التَّرجمة التَّنْبيه على أنَّ النُّفساءَ طاهرة العين لا نجسة؛ لأنَّه ◙ صلَّى عليهَا، فأوجب لها بصلاته حكم الطَّهارةِ فينقاس المؤمن الطَاهر مطلقًا عليها في أنَّه لا يَنْجس، وهذا أجنبيُّ من مَقْصوده وقصده أنَّها وإن وَرَدَ أنَّها من الشُّهداء، فهي ممَّن يصلَّى عليها كغير الشُّهداء، أو أراد التَّنبيهَ على أنَّها ليست بنجسة العين، لا لأنَّه صلعم صلَّى عليها، فإنَّ هذا ليس من خصائصهِ، بل شيءٌ سنَّه لأمَّته عمومًا، فالصَّلاة على الميِّت في الجملة تزكيةً له، ولو كان جسد المؤمن نجسًا؛ لكان حكمه أن يُطرح إطراح الجيف ويُبعد، ولا يوقر بالصَّلاة والغسل وغير ذلك من الحُرْمةِ، والله تعالى أعلم.
          وقال صاحب «تراجم الأبواب» فقه الباب من الحديث: إمَّا طهارة جسد النُّفساء، وإمَّا أنَّ النُّفساء وإن عدَّها من الشُّهداء؛ فليس حكمها حكم شهيد القتال، فيصلَّى عليها كسائر المسلمين، وإمَّا أنَّ حكم النِّفاس قد زال بالموت، فيصلِّى عليها كغيرها من أهل الإسلام.
          إشارة: (النُّفَسَاءُ) صيغةٌ مفردةٌ على غير قياسٍ، كما أنَّ جمعَه على (فِعَال) بكسر الفاء على غير القياس أيضًا.
          قالوا: ليس في الكلام (فعلاء) يجمع على القياس غير نفساء وَعُشَراء.
          قوله: (عَنْ سَمُرَة) بفتح السِّين المهملة وضمِّ الميم.
          قال الغسَّانيُّ: ومنهم من يقول بسكون الميم تحقيقًا نحو: عَضْد في عَضُد، وهي لغة أهلِ الحجاز، وبنو تميم يقولون: بضمِّها، انتهى، و(جُنْدُبٍ) بضمِّ الجيم وفتح الدَّال وضمِّها.
          قوله: (فِيْ بَطْنٍ) إن قلتَ: البطن ليس ظرفًا للموت، فما وجهُه؛ قلتُ: لفظةُ (في) قد تُسْتعمل للسَّببيَّة كما وَرَدَ: «في النَّفس المؤمنة، مئة من إبل» أي: بسبب قتل النَّفس المؤمنة؛ تجب مئة إبل.
          إشارة: قال الأصفهانيُّ: قيل: وهم البخاريُّ في هذه التَّرجمةِ، حيث أنَّ المرادَ من (ماتت في بطن) ماتت في الولادة، فوضع الباب على باب الصَّلاة على النُّفساء، ومعنى: (مَاتَتْ فِيْ بَطْنٍ) ماتت مَبْطونةً؛ رُوِيَ ذلك مثبتًا من غير هذا الوجه.
          أقول: وليس وهمًا؛ لأنَّه قد وَرَدَ صريحًا في (باب الصَّلاة على النُّفساء إذا ماتت في نفاسها) في (كتاب الجنائز) فالتَّرجمة صحيحة، والموهم واهم. /
          قوله: (وَسَطَهَا) بسكون السِّين، وفي بعضها: بفتحها، ويؤوِّل بعضهم صلاته ◙ وسطها من أجل جنينها حتَّى يكون أمامه، وإلَّا؛ فالإمام يقف عند رأس الرَّجل وعجز المرأة _والعجيزة: إلياها_ كما كانت صلاته صلعم؛ رواه أبو داود وحسَّنه التِّرمذيُّ.
          وقال الكرمانيُّ: المراد (قام محاذي وسطها) قيل: بالسُّكون ظرفٌ، وبالفتح اسمٌ، وبالسُّكون يقال: فيما كان متفرِّق الأجزاء كالنَّاس والدَّوابِّ، وبالفتح فيما كان متَّصل الأجزاء كالدَّار.
          وقيل: كلُّ ما يصلح بين فهو بالفتح، وقيل: الفتح لمركز الدَّائرة، والسُّكون لداخل الدَّائرة.