مصابيح الجامع الصحيح

باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

          ░7▒ (باب: تقضي الحائض) التَّرجمة
          (القضاء) ههنا الفعل والأداء، واستعماله على هذا الوجه كثير.
          قال ابن المنيِّر: المقصود الَّذي يشتمل عليه جميع مَا ذكره في التَّرجمةِ أنَّ هذا الحدث الأكبر، وما في معناه من الجنابة؛ لأنَّها في كلِّ عبادة، بل صحَّت مع عبادات بدنيَّة من أذكارٍ وتلاوةٍ وغيرها، فمناسك الحجِّ من جملة ما لا ينافيه الحدث الأكبر إلَّا الطَّواف، فمن ههنا طابقة الآثار التَّرجمة.
          قوله: {يَا(1) أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران:64] قُرِئَ شاذًّا بضمِّ لام ▬تعالُوا↨، واعلم أنَّ هذه ثبتت في رواية عبدوس والنَّسفيِّ والقابسيِّ، وسقطت في رواية الأصيليِّ وأبي ذرٍّ، وأمَّا إذا وقع وهم في بعض التِّلاوة؛ فمن العلماء من أوجب إصلاحَه، ومنهم من قال: يَنْقلها كما وقعت وينبِّه عليها، فلعلَّها قراءةٌ شاذَّةٌ، وضعَّف بأنَّ الشَّاذَّ مرويٌّ مَعْلومٌ لا يُحتجُّ به في حكم ولا بقراءته في صلاةٍ، و أمَّا مسألة ما إذا وقع في الأصل لحن أو خطأ فبادر إليها من كتب الصَّنعة، وقال شيخنا الحافظ أبو الفضل على شرحها: فهي داخلةٌ على مُقدَّر مَعْطوف على قوله (أدعوك) التَّقدير: أدعوك بدعاية الإسلام، وأقول لك ولأتباعك امتثالًا لقوله تعالى: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ} [آل عمران:64]، انتهى.
          وقال ابن هشام في (المغني): نكفِّر عنكم من سيِّئاتكم.
          قال الدَّمامينيُّ: الواو ثابتة بالإجماع، والمصاحف حذفها، قال ابن السُّبكيِّ: فهذا الَّذي يقتضيه النَّظر الصَّحيح أن يُقال: إن كان ذلك من غير كتاب الله وسنَّة نبيِّه ◙، فالَّذي يَظْهر الابتداء بالجُمْلة من غير عطف مثل أن يقول زيد: قام عمرو وقعد بكر، فيقول: قال زيد وقعد بكر، ويعجبني قول زيد وقعد بكر، ولو قلتَ: قال زيد وقعد بكر، ويعجبني قول زيد وقعد بكر لم ينهض دليلٌ لمنعه، فإنَّ حرف العطف يتنزَّل من المعطوف بمنزلة الجزء، ولذلك تُسكَّن له لام الامر وهاء الضَّمير، غير أنَّ حكايتها من غير واو أحسن، إذ لا فائدة في ذكر حرف العطف إلَّا مراعاة ما بين الجملتين من كمال الاتِّصال وغيره، وقد يقصد الحاكي مجرَّد هذا القول من غير مراعاة الجملة السَّابقة مهما كان بينهما اتِّصال اقتضى العطف عليه عند المتكلِّم دون كافي، وقد يُقال بإشباع هذه بالضَّمة حتَّى يقوم عليه دليلٌ، إلَّا أن يقول ثمَّ معي يقتضي، وغاية الجملة للعطف عليها بالحكاية، فلا بأس هو الحكم عند نطق المحاكي عنه بالجملة المعطوف عليها من كلامه، فإن كانت محذوفةً في كلامه مثل أن تقول: زيدٌ بل عمرو لجواز من قال: قام زيدٌ معي فيُحكى ذلك... بل عمرو، أو يقول: قام.
          أمَّا هذا القسم فقد ظفرت في القرآن فأبدل بجواب كلًّا من الامرين فيه، قال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُوا} [طه:66]، وقال تعالى: {قَالَ لَهُمْ مُوْسَى أَلْقُوا} [يونس:80] فقد حكى الله تعالى عنه ◙، حكايةً عن موسى ◙.
          قوله: (ألقوا) تارةً بحرف العطف، وتارةً بدونه، والقصَّة واحدة، إلى أن قال: هذا كلُّه في حكاية كلام الواحد فينا، أمَّا في كلام الله؛ فلم أزل أبتغ دليلًا في ذلك إلى أن ظفرت من السُّنَّة بما يقتضي بجواز كلٍّ من الأمرين، أمَّا المقتضي بجواز الحكاية من غير جرٍّ، والعطف ما جاء منها أنه سئل ◙ عن الحمر قال: من فعل كذا في «البخاريِّ» و «مسلم»، ورأيت نحوه النَّوويَّ من غير فاءٍ، وعزاه إلى الصَّحيح وذكره ابن محمَّد في المقتضى وعزاه لأحمد.
          الثَّاني: قوله ◙: «من نسي صلاة أو نام عنها؛ فليصلِّها إذا ذكرها» لا كفَّارة لها إلَّا ذلك وتلا {أَقِمِ الصَّلَاةَ }، كذا رواه البخاريُّ ومسلم.
          الثَّالث: أنَّ رجلًا أصاب من امرأة قبلةً فأتى النَّبيَّ ◙، فذكر ذلك له فنزلت: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود:114] الآية.
          الرَّابع: قوله ◙: «من آتاه الله مالًا» إلى أن قال ثمَّ تلا {لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آل عمران:180] فهذه أربع أدلَّةٍ صريحةٍ في جواز ذلك دون حرف العطف، وأمَّا الَّذي يدلُّ بجواز الابتداء مع حرف العطف فأحاديث منها حديث اقرؤوا إن شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ } [السجدة:17]، ومنها قول عائشة: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] ذلك هو في البخاريِّ، وفي سيرة ابن اسحاق بغير فاء، ومنها حديث كنَّا نتكلم في الصَّلاة إلى أن قال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، ومنه حديث خطبة أبي بكر ☺ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} [آل عمران:144]، فهذه الأحاديث دالَّةٌ بجواز الابتداء بالأقصر مع ما قبلها من الواو والفاء العاطفين، وكيف يمكن التردد في ذلك وكثير من الآيات المعطوفات نزلت في ترتيب متراخٍ عن الآية المعطوف عليها كقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} [آل عمران:169]، فإنَّ مقتضى الحديث أنَّ نزولها متراخٍ عمَّا قبلها، وحرف العطف من اقرار بظن، ولم ينزل مع الآية المعطوف عليها قطعًا فتحتَّم أن يكون نزل مع الآية المعطوفة، فإذًا ابتدئ به في الإنزال، وكيف الابتداء به في التلاوة وهذا المعنى وحده برهانٌ قاطعٌ على ذلك، وعُلِم بهذه الأحاديث جواز الأمرين معًا في القرآن باستعمال الشَّرع كلًّا منها، وعُلِم جواب ذلك في كلا م النَّاس إذا كان المحكي عنه مبتدأ بحرف العطف طارئًا للجملة المعطوف عليها إلى آخر كلامه وهو طويل.
          فائدة: قال العربيُّ: يجوز المكاتبة إلى الكفَّار مع تضمين آية، قال: وهذه مسألة مهمَّة مطابقة لحديث البخاريِّ.
          فائدة: وقال الكرمانيُّ: إن قلتَ: عقد الباب لحكم الحائض لا للجنب؛ قلتُ: حكمهما واحد لاشتراكهما في غلط الحديث وإيجابهما الغسل والحيض أولى؛ لجواز القراءة فيه لطول أمره المُسْتلزم لبيان القرآن، ولهذا أباح بعضهم للحائض وكرهها للجنب.


[1] في الأصل: (ويا)، والمثبت موافق للتلاوة.