مصابيح الجامع الصحيح

باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر

          ░36▒ قوله: (لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ) استدلَّ به بعض الظَّاهريَّة على أنَّه لا يصحُّ الصَّوم في السَّفر، فإن صامه؛ لم ينعقد، واختلف العلماء في أنَّ الصَّوم أفضل أم الفطر أم هما سواء، فقال الأكثرون: الصَّوم أفضل لمن لم يتضرَّر به، فمعنى الحديث: إذا شقَّ عليكم وخفتم الضَّرر؛ فليس من البرِّ، والسِّياق موضِّح لذلك.
          ابن بطَّال: إن قلتَ: إذا لم يكن من البرِّ، فهو من الإثم، فدلَّ على أنَّه لا يجزئ في السَّفر.
          قلنا: معناه: ليس هو أمر البرِّ؛ لأنَّه قد يكون الإفطار أبرَّ منه إذا كان في حجٍّ أو جهاد ليقوى عليه، كقوله: «ليس المسكين الَّذي تردُّهُ التَّمرة والتَّمرتان» ومَعْلوم أنَّه مسكين وأنَّه من أهل الصَّدقة، وإنَّما أراد المسكين المَسْكنة الشَّديدة.
          الطَّحاويُّ: خرج هذا الحديث على شخص معيَّن، وهو رجل ظُلِّل عليه وكان يجود بنفسه؛ أي: ليس البرُّ أن يَبْلغ الإنسان هذا المَبْلغ، والله سبحانه قد رخَّص له في الفطر، انتهى
          وقد روى بعض النُّحاة الحديث بـ(ميم) التَّعريف بدل لامه، نحو: «ليس امبرٌّ امصيام في امسفر»، انتهى كلام الكرمانيِّ.
          قلتُ: هذا الحديث رواه الإمام أحمد والطَّبرانيُّ [في] «الكبير».