مصابيح الجامع الصحيح

حديث: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان فأتيت بطست من ذهب

          3207- [ (البيت): أي: الكعبة، وسبق: «فرج عن سقف بيتي»، فالأصح: أنه كان للشارع معراجان، أو دخل بيته ثم عرج.
          (بين النائم واليقظان): ظاهر ما تقدم في (الصلاة)؛ أنَّه كان في اليقظة، إذ هو مقتضى الإطلاق، وهو المطابق لما في «المسند» عن ابن عباس: أنه كان في اليقظة، رآه بعينه.
          وفي «البخاري» : أنه كان نائمًا، فالجواب: أنه اختلف العلماء في تعدد الإسراء، فإن قلنا: بتعدده مرتين أو أكثر؛ فلا إشكال فيه، وإن قلنا: بوحدته؛ فالحق أنَّه كان في اليقظة بجسده، لأنه قد أنكرته قريش، وإنما ينكر إذا كان في اليقظة، إذ الرؤيا لا تنكر ولو بأبعد من، عياض: اختلفوا في الإسراء إلى السَّماوات، فقيل: إنه كان في المنام، والحق الذي(1) عليه الجمهور أنه أسري بجسده، فإن قيل: (بين النائم واليقظة)، يدل على أنَّه رؤيا نوم، قلنا لا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس فيه ما يدل على كونه نائمًا في القصة كلها، الحافظ عبد الحق في «الجمع بين الصحيحين» : وما روى شريك عن أنس: أنه كان نائمًا؛ فهو زيادة مجهولة، وقد روى الحفاظ المتقنون والأئمة المشهورون كابن شهاب وثابت البنائي وقتادة عن أنس، ولم يأت أحد منهم بها، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث.
          (ثلاثة رجال): وهم الملائكة تصوروا بصورة الإنسان.
          (الطست): مؤنثة، وجاء بكسر الطاء، وطسَّ بتشديد السين.
          (ملئ): بلفظ المجهول الماضي، وبلفظ الاسم نحو: السكرى والسكران.
          إن قلت: هما معنيان والإفراغ صفة الأجسام.
          قلت: كان في الطست شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي إيمانًا وحكمة؛ لكونه سببًا لهما أو أنه من باب التمثيل.
          (مراقِّ): بتشديد القاف، هو ما سفل من البطن ورق من جلده وهو جمع: مرقق، موضع رقة الجلد، وهذا الشق غير الذي كان في زمن صغره ◙، فعلم أن الشق كان مرتين، انتهى كلام.
          أقول: لو قال غير الذي كان قديمًا؛ لكان أحسن، وقوله: مرتين، أقول: كان مرات عددها سيدي ⌂]
.
          قوله: (أبيض): لم يقل بيضاء اعتبارًا بلفظ البراق أو المركوب.
          قوله: (البراق): بالرفع خبر مبتدأ محذوف، والجر على البدل.
          [ (البراق): ابن دريد: (اشتقاقه من البرق إن شاء الله) لسرعته، وقيل: سمي به لشدة صفائه، وتلألؤ لونه، ويقال: شاة برقاء إذا كان خلال صوفها طاقات سود، فيحتمل التسمية(2) به لكونه ذا لونين].
          فائدة: ذكر السهيلي أن معد بن عدنان ركب البراق وسببه: أن معد بن عدنان كان في مدة بختنصر ابن اثني عشر سنة، قاله الطبري، وذكر أن الله سبحانه أوحى إلى نبي ذلك الزمان إلى أرميا: أن اذهب إلى بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب، واحمل معدًا على البراق كي لا تصيبه النقمة فيهم، فإني مستخرج من صلبه نبيًّا كريمًا أختم به الرسل‏، فاحتمل معدًا إلى أرض الشام فنشأ مع بني إسرائيل وتزوج هناك امرأة اسمها: مُعانة بنت جوشن من بني دب بن جرهم، ويقال: في اسمها ناعمة.
          تنبيه: ذُكر أدريس صلعم في السماء الرابعة مع قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:57] مع أنَّه قد رأى موسى وإبراهيم في أعلى من مكان إدريس صلى الله عليهم وسلم، فذلك والله أعلم لما ذكر عن كعب الأحبار أنَّ إدريس خُصَّ من جميع الأنبياء بأن رفع قبل وفاته إلى السماء الرابعة، رفعه ملك كان صديقًا له، وهو الملك الموكَّل بالشمس فيما ذكروا، وكان إدريس سأله أن يريه الجنة، فأذن الله سبحانه له في ذلك، فلما كان في السماء الرابعة؛ رأى هنالك ملك الموت فعجب وقال: أمرت أن أقبض روح إدريس الساعة في السماء الرابعة، فقبضه هنالك، فرفعُه حيًّا إلى ذلك المكان العليِّ خاص له دون الأنبياء صلى الله عليهم وسلم. /
          قوله: (ولنعم المجيء جاء): قال المالكي: فيه شاهد على جواز الاستغناء بالصلة عن الموصول في باب (نعم)؛ إذ التقدير: نعم المجيء الذي جاءه.
          قوله: (من أخ): إن قلت: قال أهل التواريخ: إنَّ إدريس جدٌّ لنوح، فكان المناسب أن يقول: (من ابن).
          قلت: لعلَّه قاله تلطفًا وتأدبًا، والأنبياء ‰ إخوة، انتهى
          أقول: تكلم سيدي عن هذه.
          قوله: (فلما جاوزت بكى): ليس على معنى الحسد والمنافسة حاشاهم صلى الله عليهم وسلم، فيما أعطيه من الكرامة، بل شفقة على أمته لنقص حظهم أو عددهم عن أمة سيدنا محمد صلعم وتمني الخير لهم، والبكاء قد يكون من حزن وألم، وقد يكون من استنكار وتعجب، وقد يكون من سرور أو طرب، انتهى كلام البرماوي، وأخذه من الكرماني، والكرماني نقله من الخطابي، والذي كان يظهر لي أنَّه بكاء فرح وسرور لما رأى من فضائل هذه الأمَّة حتى قال: اللَّهُمَّ اجعلني من أمَّة أحمد.
          قوله: (الغلام): ليس على معنى الازدراء والاستصغار لشأنه حاشاهم صلى الله عليهم وسلم، وإنَّما هو على تعظيم منَّة الله عليه بما ناله من النعم، واتحفه من الكرامات من غير طول عمر أفناه في طاعته، والعرب قد تسمي المستجمع للسن غلامًا ما دام فيه بقيَّة من القوَّة، قاله البرماوي، وأخذه من الكرماني، والكرماوي من الخطابي.
          وقال شيخنا: الذي يظهر أنَّ موسى ◙ أشار إلى ما أنعم الله سبحانه به على نبينا صلى الله وسلَّم عليهم من استمرار القوَّة في الكهولة، وإلى أن دخل في أوَّل سنِّ الشيخوخة ولم يدخل بدنه هرم، ولا اعترى قوَّته نقص، حتى أنَّ النَّاس في قدومه ◙ المدينة اطلقوا عليه اسم الشَّاب، وعلى أبي بكر اسم الشيخ مع كونه ◙ في العمر أسنَّ من أبي بكر ╩، والله تعالى أعلم.
          قوله: (السماء السابعة): مرَّ أنَّ إبراهيم في السادسة.
          قلت: لعله وجده في السادسة، ثمَّ ارتقى هو أيضًا إلى السابعة.
          قوله: (آخر ما عليهم): قال الحمزيُّ: رويناه بالنَّصب على الظَّرف وبالرَّفع بتقدير: ذلك آخر ما عليهم من دخوله، وهو أوجه.
          إشارة: (النبِق): بكسر الموحَّدة وسكونها: حمل السدر.
          و(النَّهر): بسكون الهاء وفتحها.
          وفي الحديث: أنَّ للسماء أبوابًا حقيقيَّة، وحفظة موكلين بها، وإثبات الاستئذان ووقوع النسخ قبل التَّمكُّن من الفعل.
          قوله: (الحسن): أي: البصريُّ، قال يحيى بن معين: لم يصح للحسن سماع من أبي هريرة، فقيل ليحيى: وقد جاء في بعض الأحاديث عن الحسن قال: حدثنا أبو هريرة، فقال: ليس بشيء.
          أقول: الحسن هنا روى عنه بلفظ (عن) فيحتمل أن يكون بالواسطة.


[1] (الذي): ليس في الأصل.
[2] في الأصل: (أكنو).