مصابيح الجامع الصحيح

باب: إذا زكى رجل رجلًا كفاه

          ░16▒ (باب إذا زكى رجل رجلًا كفاه).
          قوله: (عسى الغوير أبؤسًا): هذا من كلام الزُّبَّاء، وخبر (عسى) لا بدَّ أن يكون فعلًا مضارعًا، لكن تقديره: عسى الغوير يكون أبؤسًا، أو عسى أن يأتي الغوير بشرٍّ ونحوه، قال الشَّاعر:
فَأُبْتُ إلى فهمٍ وما كِدْتُ آيبًا                     وكم مثلِهَا فارقْتُهَا وهي تَصْفِرُ
          هذا الاستشهاد لثابت بن جابر تأبَّط شرًّا، قاله العيني، وقال ابن هشام: وشذَّ مجيء الخبر مفردًا بعد (كاد) و(عسى)، كقوله: (عسى الغوير أبؤسًا)، وفي «المغني» قال: وفي المَثَل فذكر هذا، ثم قال: كذا قالوه، والصَّواب: أنه ممَّا حذف فيه الخبر؛ أي: يكون أبؤسًا.
          [فائدة: (أبو جميلة): سُنين: بضم المهملة وبالنونين وبالتحتانية المثقلة والمخففة بينهما، السلمي، وقيل: ميسرة الطهوي؛ بضم المهملة وفتح الهاء، وقيل: بسكونها، وقد يفتحون الطاء مع سكون الهاء، ففيه ثلاث لغات.
          (منبوذًا) أي: لقيطًا.
          (الغوير): تصغير الغار.
          (الأبؤس): الداهية وجمع البؤس، وأصل المثل أن أناسًا كانوا في غار فانهار عليهم، أو أتاهم فيه عدو فقتلوهم، فصار مثلًا لكل شيء يخاف أن يأتي منه شر.
          (العريف): العارف؛ كالمعلم والعالم، والعريف: النقيب، وهو دون الرئيس.
          وقصته أنه وجد منبوذًا، فجاء به عمر فقال: ما حملك على أخذ هذه القسمة فقال: وجدتها ضائعة فأخذتها فقال عريفه: يا أمير المؤمنين؛ إنه رجل صالح، فقال: كذلك؟ قال: نعم، قال: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته.
          ابن بطال: اتهمه عمر أن يكون ولده أتاه به ليفرض له في بيت المال، ويحتمل أن يكون ظن به أنه يريد أن يفرض له ويلي أمره ويأخذ ما يفرض له ويصنع به ما يشاء، فلما قال عريفه: إنه رجل صالح؛ صدَّقه، قال: وكان عمر قسم الناس أقسامًا، وجعل على كل ديوان عريفًا ينظر عليهم، وكان الرجل النابذ من ديوان الذي زكاه عند عمر.
          وفيه: أنه يباح للإنسان أن يزكي نفسه ويخبر بالصلاح إذا احتاج إلى ذلك، وهكذا رواه مالك(1) في «الموطأ»؛ فقال عمر: أكذاك، قال _أي: الرجل_: نعم، وأما معنى (وعلينا نفقته) أن رضاعه ومؤنته من بيت المال]
.


[1] في الأصل: (صالح).