التلويح شرح الجامع الصحيح

حديث: ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى

          603 #حَدَّثَنا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَارِثِ: حَدَّثَنا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ذَكَرُوا النَّاقُوسَ والنَّارَ، فَذَكَرُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى «فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ».
          وفي لفظ: قال إسماعيل بن إبراهيم: فذكرته لأيوب فقال: إلَّا الإقامة، وعند أبي الشيخ ابن حيَّان في «كتاب الأذان» تأليفه من حديث [روح بن] عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عن خَالِد، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَتِ الصَّلَاةُ إِذَا حَضَرَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم سَعَى رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ فَنَادَى: الصَّلَاةُ الصَّلَاةُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: لَوِ اتَّخَذْنَا نَاقُوسًا؟ فَقَالَ رَسُوْلُ الله صلعم: «ذَلِكَ لِلنَّصَارَى» فَقَالَوا: لو اتَّخَذْنَا بُوقًا فَقَالَ: «ذَلِكَ لِلْيَهُودِ» فَقَالُوا: لَوْ رَفَعْنَا نَارًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «ذلك للمَجُوْسِ» قَالَ: فَأُمِرَ بِلَالٌ... الحديث، وعند الطبراني من هذه الطريق: «فَأَمَرَ بَلَالًا».
          قَالَ الإِسْمَاعِيْلِيُّ: ترك محمد بن إسماعيل حديث سماك بن عطية وهو متصل بقوله: (ويوتر الإقامة إلا الإقامة) وهو ما صححه عن حماد عن سماك عن أيوب عن أبي قِلابة عن أنس، وذكرها عن أيوب يعني مرسلة، وفي «صحيح ابن منده» هذه اللفظة من قول أيوب هكذا رواه ابن المديني عن ابن عُلَيَّة، فأدرجها سليمان عن حماد / ورواه غير واحد عن حماد ولم يذكروا هذه اللفظة.
          وفي «مسند السراج» عن محمد بن رافع وإسحاق بن إبراهيم، وعن الحسن بن أبي الربيع عن عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ بِلَالٌ يُثَنِّي الأَذَانَ، وَيُوتِرُ الإِقَامَةَ، إِلَّا قَوْلَهُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ» أخبرنا بذلك الإمام العلامة محمد بن محمد المغربي، أخبرتنا أم محمد سيدة ابنة موسى المازنية عن أبي روح وابن السمعاني وابن الصفَّار وزينب وإسماعيل القاري على ما هو مبيَّن في الأصل.
          حَدَّثَنَا وجيه بن طاهر: أخبرنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم القشيري: أخبرنا أبو حسين الخفاف: أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج فذكره، ولفظ ابنِ خُزَيْمَةَ في «صحيحه»: «قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ».
          وعند البيهقي من حديث أبان بن يزيد عن قتادة عن أنس أَنَّ بِلالًا كَانَ أَذَانُهُ مَثْنَى مَثْنَى وَإِقَامَتُهُ مَرَّةً مَرَّةً.
          قال ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب «العلل»: ورواه عبد الملك الجُدي عن عقبة عن قتادة وهو خطأ، إنما هو شعبة عن خالد عن أبي قِلابة [عن أنس].
          واعترض بعض العلماء على هذا الحديث فقال: هذا حديث غير مرفوع لاحتمال أن يكون الآمر غير النبي صلعم، وفي ذلك نظر من وجوه:
          الأول: أكثر أهل العلم من المحدثين والأصوليين على أن قول البخاري: أُمْرِنا بكذا أو نُهِينا عن كذا مسندٌ مرفوع؛ لأن الظاهر ينصرف إلى من له الأمر والنهي وهو سيدنا رسول الله صلعم سواء أضافه إلى زمنه أو لم يضفه، لا سيما وقد قال في نفس حديث البيهقي: ذكروا الصلاة عند النبي صلعم فقالوا: نَوِّرُوا نارًا، فهذا نصٌّ في أن الآمر سيدنا رسول الله صلعم لا غيره، وفي لفظ: حين أتاه ابنُ زيدٍ بالرؤيا أمر بلالًا أن يؤذن مثنى مثنى ويقيم فرادى.
          الثاني: لو رُجِّحَ قول من خالف ما ذكرناه بقوله: قد رأينا جماعة من الصحابة قالوا ذلك، وفتشنا عليه فوجدنا الآمر غير رسول الله صلعم، أجيب بأنه لو سلمنا لكم ما قلتم فإن هذا لا يتأتى في هذا الخبر مطلقًا؛ لأن بلالًا لم يؤذن لأحدٍ بعد النبي صلعم إلا مرة واحدة لِعُمَرَ، وقيل: لم يكملها، هذا هو المشهور، فصحَّ أن الآمر له هو النبي صلعم إذ لم يتأمَّر عليه في الأذان غيره، وإلى هذا أشار ابن القطان وغيره.
          الثالث: نتنزَّلُ أن هذا الآمر هنا يحتمل أن يكون غير النبي صلعم على ما قلتم، فنقول بأنَّا وجدناه مصرحًا به من طريق صحيحةٍ مُسْنَدَةٍ تبين أن الآمر هو سيدنا رسول الله صلعم /
           أخبرنا بذلك المعمَّر ملحق الأصاغر بالأكابر أبو الحسن بن الضراب: أخبرنا ابن باقا: أخبرنا أبو زرعة: أخبرنا أبو محمد بن حمد: أخبرنا القاضي أحمد بن حسين: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق: أخبرنا أحمد بن شعيب: حَدَّثَنا قتيبة بن سعيد: حَدَّثَنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قِلابة عن أنس أن رَسُوْلَ اللهِ صلعم: «أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوتِرَ الإِقَامَةَ».
          وخرجه ابن حبان في «صحيحه»: عن محمد بن عبد الله بن الجنيد: حَدَّثَنا قتيبة والحاكم عن أبي العباس بن محمد: حدَّثنا ابن معين: حَدَّثَنا عبد الوهاب فذكره، ثم قال: هذا حديث أسنده إمام أهل الحديث ومزكي الرواة بلا مدافعة، وقد تابعه عليه الثقة المأمون قتيبة، وهو صحيح على شرطهما، ولم يخرِّجاه بهذه السياقة.
          ورواه أبو الشيخ من حديث كثير بن سُلَيْم عن أنس أن النبيَّ صلعم أَمَرَ بِلَالًا بِهِ.
          قال: ورواه الزهري عن أنس، وقد وجدنا له أيضًا شاهدًا صحيحًا خَرَّجه ابنُ خُزَيْمَةَ وابن حبان وأبو عوانة في صحيحهم من حديث ابن عمر: «كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلعم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، والإقامةُ مرةً مرةً، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاةُ» وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الجوزقاني: هذا حديث صحيح.
          وعند البيهقي في «السنن الكبير» من حديث ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، وأبو عَوانة في «صحيحه»: من حديث الشعبي عنه ولفظه: «أَذَّنَ مَثْنَى، وَأَقَامَ مَثْنَى». وحديث أبي محذورة عند الترمذي صحيحًا: «عَلَّمَهُ الأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى، وَالإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى»، وحديث أبي جُحَيْفَةَ: «أنَّ بِلالًا كَانَ يُؤَذِّنُ مَثْنَى مَثْنَى وَيُقِيْمُ مَثْنَى مَثْنَى» ذكره الدَّارَقُطْني من طريق البكائي عن إدريس الأودي عن عون ابن أبي جُحيفة عنه، وعنده أيضًا من حديث الأسود عن بلال أنه كان يؤذن فذكره.
          وعند الطحاوي من جهة سُوَيْد بن غَفَلَةَ سمعت بلالًا يؤذن... الحديث، قال الحاكم: سويدٌ لم يدرك أذان بلال في عهد النبي صلعم وأبي بكر. انتهى.
          أما قوله: لم يدرك أذانه زمن أبي بكر ففيه نظر من حيث إن بعضهم قال: إنَّ خروج بلال إلى الشام كان زمن عمر، فعلى هذا يكون سمع أذانه الذي قيل: لم يكمله، روى ذلك من جهة ولد سعد القرظ، وإن كان ابن المسيب روى غير ذلك فلكلِّ خبر وجه، ولو قلنا به لكان صحيحًا متصلًا لأمرين: الأول تصريحه بسماع بلال يفعل ذلك عند الطحاوي.
          لثاني: قدومه كان يوم الوفاة، وكان بلال حينئذ يؤذن رجاعًا لا سيما إلى أن بويع أبو بكر، وعند ابن أبي شيبة من حديث الهَجَنَّع عن علي / وسمع مؤذنه يقيم مرةً [مرة] فقال: اجعلها مثنى. وعن سلمة بن الأكوع وأصحاب عليٍّ وعبد الله مثله.
          وفي كتاب «الطحاوي»: عن مجاهد [في] الإقامة مرةً مرة: إنما هو شيء استخفَّه الأمراء، الإقامة مرتان.
          وفي «الأسرار» لأبي زيد: أول من أفرد الإقامة معاوية، وعن عون بن أبي جُحيفَةَ نحوه، وفي «الخلافيات» كذلك بلفظ: نقص الإقامة، قال الحاكم: وهذا دليل على إفراد الإقامة فإنه قال: نقضَ بالضاد المعجمة، ونقضها تثنيتها لا إفرادها. انتهى.
          قد ورد ما يبيِّن أنه بالمهملة، قال النخعي _فيما رواه أبو معشر_: كان أذان بلال وإقامته مثنى مثنى حتى كان هؤلاء الملوك فجعلوها واحدة.
          وقد رُوِيَ عن ابن عباس _بسند ضعيف قاله الجوزقاني_ مرفوعًا: «منْ أفردَ الإقامةَ فليسَ مني».
          وعند البيهقي عن ابنِ خُزَيْمَةَ: الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة من جنس الاختلاف المباح، إذ قد صحَّ كلا الأمرين، فأما تثنية الأذان والإقامة فلم يثبت الأمر بهما، قَالَ البَيْهَقِيُّ: وفي صحة التثنية في كلمات الإقامة سوى التكبير وكلمتي الإقامة نظر، وعند الحازمي: قالوا: حديث الحذاء ظاهر في النسخ؛ لأن بلالًا أُمِر بالإفراد أول ما شرع الأذان، وحديث أبي محذورة كان عام حُنَيْن، وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم فرأوا أن الإقامة فرادى، وإلى هذا ذهب ابن المسيب وعروة والزهري ومالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق ومن تبعهم، وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس. قال أبو عمر: وكقول أبي حنيفة يقول الثوري والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن وجماعة التابعين والفقهاء بالعراق مُتَوارَث عندهم بالعمل قرنًا بعد قرن. قال الأثرم عن أحمد: من أقام مثنى مثنى لم أعنفه، وليس به بأس، وكذلك قاله إسحاق وداود بن حريز قالوا: لأنه قد ثبت عن النبيِّ صلعم كل ذلك وعمل به أصحابه، وحديث ثوبان كان بلال يؤذن... الحديث، ذكره في «الخلافيات» من حديث ابن أرطأة، وحديث سلمة بن الأكوع ذكره ابن أبي حاتم في «علله»، وحديث أبي هريرة عند الدَّارَقُطْني من حديث خالد بن عبد الرحمن المخزومي: حَدَّثَنا كامل أبو العلاء عن أبي صالح عنه.
          وفي البيهقي بسند صحيح إلى مكحول والزهري أنهما قالا: مضت السنَّة أن الأذان مثنى والإقامة واحدة إلا قوله: قد قامت الصلاة فإنها مرتين، قال: ورُوِيَ نحوه عن الحسن.
          وعند ابن ماجه بسندٍ صحيح عن سعد القرظ أن أذان بلال كان مثنى مثنى وإقامته مفردة.
          وعند ابن عدي في «كامله» وقد قامت الصلاة مرة.
          وعند ابن ماجه أيضًا بسندٍ فيه ضعف عن أبي رافع: رأيت بلالًا يؤذن بين يدي رسول الله صلعم / مثنى مثنى ويقيم واحدة.