التلويح شرح الجامع الصحيح

باب إقامة الصف من تمام الصلاة

          ░74▒ (بَابٌ إِقَامَةُ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)
          ذكر فيه حديث أبي هريرة المذكور قبل وفيه: (وَأَقِيْمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلَاةِ) [خ¦722].
          وحديث أنس: (فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوْفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ).
          والإقامة غير التمام، وكذلك الحُسْن، ينظر في تبويب البخاري اللَّهمَّ إلا أن تكون الإقامة مما فسرها ابن حزم فإنها فرض، وبنى مذهبه عليها، وخالفه غيره. والله أعلم [خ¦723].
          قال ابن حزم: صلاة المنفرد خلف الصف وحده باطلة بهذا، وبحديث وابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ المُخَرَّج في «صحيح ابن حبان»: وَخَلْفَ الصَّفِّ رَجُلٌ مِنْ حديث عليِّ بن شَيْبَانَ فَقَالَ لَهُ صلعم: «اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ _وفي لفظ: أَعِدْ صَلَاتَكَ_ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمنفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ».
          وحسَّنَه أبو علي الطُّوسي والترمذي من حديث حُصَين عن هلال بن يساف وأخذ بيدي زياد بن أبي الجعد فأوقفني على شيخ يقال له وابصة فقال: «صلَّى رجلٌ خلفَ الصفِّ وحْدَهُ، فَأَمَرهُ النَّبِيُّ صلعم أنْ يُعِيْدَ» قال أبو عيسى: في حديث حصين ما يدل أن هلالًا أدرك وابصة، واختلف أهل الحديث في هذا، فقال بعضهم: حديث حُصَيْنٍ، عن هلال، عن زياد، عن وابصة / قال ابن حبان: سمع هذا الخبر هلال، عن عمرو، عن وابصة، وسمعه من زياد، عن وابصة فالطريقان جميعًا محفوظان، ورواه يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عمه عبيد بن أبي الجعد، عن أبيه زياد، وفي هذا دَحْضٌ لقول من زعم أن هلالًا تفرد به، وقال الشافعي: سمعت بعض أهل العلم بالحديث يذكر أن بعض المحدثين يُدْخِلُ بين هلال ووابِصَة رجلًا، ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه، وسمعت بعض أهل الحديث منهم كأنه يوهنه بما وصفت.
          قَالَ البَيْهَقِيُّ: لم يخرجاه لما حكاه الشافعي من الاختلاف في سنده، ولما في حديث علي بن شيبان من أن رجاله غير مشهورين، قال الشافعي في موضع آخر: لو ثبت الحديث لقلت به. وقال الحاكم: إنما لم يخرج الشيخان لوابِصَة في كتابيهما لفساد الطريق إليه، وقال ابن المنذر: ثبته أحمد وإسحاق.
          وقال أبو عمر: فيه اضطراب ولا يثبته جماعة، قال الإشبيلي: غير أبي عمر يقول: الحديث صحيح؛ لأن حُصَيْنًا ثقة وهلالًا مثله، وزيادًا كذلك، وقد أسندوه والاختلاف فيه لا يضره.
          وفي «الأوسط» للطبراني: من حديث ابن أبي خالد عن الشعبي وبكير بن الأخنس بن المعتمر، ومن حديث عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن عبيد بن [أبي] الجعد، ومن حديث أبي خالد الأحمر، والمحاربي، عن محمد بن سالم، عن سالم بن أبي الجعد، عن وابصة: «صلَّى رجلٌ خلفَ الصَّفِّ».
          ومن حديث مالك بن سعير: حدَّثنا السَّرِيُّ بن إسماعيل، عن الشعبي: أَبْصَرَ صلعم رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَقَالَ: «أَيُّهَا المصَلِّي [وحده] أَلَا تَكُونُ وَصَلْتَ صَفًّا فَدَخَلْتَ مَعَهُمْ واجْتَرَرْتَ رَجُلًا إِنْ كان ضَاقَ بِكَ المَكَانُ، أَعِدْ صَلَاتَكَ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لَكَ». وسئل أبو عبد الله عن حديث ابن عباس: «أنَّ النبيَّ صلعم رأى رجلًا صلَّى خلفَ الصفِّ وحدَه فقال:...» الحديثَ. فقال: هذا حديث منكر أو باطل.
          قال الأثرم: قلت له: أي: شيء أحسنها إسنادًا؟ قال: حديث شعبة عن عمرو بن راشد، عن وابصة.
          وعند الطبراني في «الأوسط»: من حديث عبد الله بن محمد عن القاسم العبَّادي: حدَّثنا يزيد بن هارون: أخبرنا [ابن] إسحاق، عن سعيد بن [أبي] سعيد، عن أبي هريرة: رَأَى النَّبِيُّ صلعم رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَقَالَ: «أَعِدِ الصَّلَاةَ». وقال: لا يُروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرد به العبادي.
          وروينا عن الخطابي أنه قال: اختلف أهل العلم فيمن صلَّى خلف الصف وحده:
          فقالت طائفة: صلاته فاسدة على ظاهر هذا الحديث، هذا قول النخعي وأحمد وإسحاق.
          وحكوا عن أحمد أو عن بعض أصحابه: إذا افتتح صلاته منفردًا خلف الإمام فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه من الركوع فإنَّه لا صلاة له، ومن تلاحق به بعد ذلك / فصلاتهم كلهم فاسدة، وإن كانوا مئة أو أكثر.
          وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: صلاة المنفرد جائزة خلف الإمام، وتأولوا أمره إياه بالإعادة على الاستحباب دون الإيجاب.
          وفي حديث أبي بكرة وركوعه دونَ الصفِّ [خ¦783] دلالة أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة؛ لأن جزءًا من الصلاة إذا جاز على حال الانفراد جاز سائر أجزائها.
          وقوله له: (لا تَعُدْ) إرشاد له في المستقبل إلى ما هو أفضل ولو لم يكن مجزيًا لأمرَه بالإعادة، ويدل على ذلك حديث المرأة المصلية خلفه في حديث أنس [خ¦33] منفردة، وحكم الرجل والمرأة في هذا واحد. انتهى.
          في «الأوسط»: من حديث إسماعيل بن مسلم: حَدَّثَنا يونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس: «أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صلعم وَحْدَهُ وَوَرَاءَهُ امْرَأَةٌ حَتَّى جَاءَ النَّاسُ بَعْدُ» وقالَ: تفرد به إسماعيل.
          ومن حديث ابن جريج، عن عطاء سَمِعَ ابْن الزُّبَيْرِ عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ وَالنَّاسُ رُكُوعٌ فَلْيَرْكَعْ حِينَ يَدْخُلُ، ثُمَّ يَدبُّ رَاكِعًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ السُّنَّةُ». قَالَ عَطَاءٌ: وَقَدْ رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ذَلِكَ. قال: ولم يروه عن ابن جريج إلا ابن وهب، تفرد به حَرملة، ولا يُروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد.
          وليس لقائل أن يقول: ليس حكم المرأة في هذا كالرجل لحديث عائشة: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: «المَرْأَةُ وَحْدَهَا صَفٌّ» لأنه خبر موضوع ذكره أبو عمر، وقد أرشد صلعم الآتي، وقد تمت الصفوف بأن يجذب إليه رجلًا يقيمه إلى جنبه، رواه الطبراني في «الأوسط» من حديث بشر بن إبراهيم: حَدَّثَنا الحجاج بن حسان، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقال: لا يروى عن النبي صلعم إلا بهذا الإسناد، تفرد به بشر.
          وعند أبي داود: «لِيْنُوْا بِأَيْدِيْ إِخْوَانِكُمْ». وقال أيضًا صلعم: «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ».