التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: إذا بكى الإمام في الصلاة

          ░70▒ (بَابُ إِذَا بَكَى الإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ)
          وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ، سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ}[يوسف:86].
          قَالَ البَيْهَقِيُّ: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن وأبو سعيد بن أبي عمرو: حَدَّثَنا أبو العباس محمد بن يعقوب: حَدَّثَنا محمد بن إسحاق: حَدَّثَنا حجاج قال: قال ابن جُرَيْجٍ: سمعتُ ابن أبي مُلَيْكَةَ يقول: أخبرني علقمة بن وقاصٍ قال: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ يَقْرَأُ فِي العَتَمَةِ بسُورَة يُوسُفَ صلعم / وَأَنَا فِي مُؤَخَّرِ الصَّفِّ حَتَّى إِذَا جاءَ ذِكْرُ يُوسُفَ سَمِعْتُ نَشِيجَهُ مِنْ مُؤَخَّرِ الصَّفِّ».
          وعند ابن المنذر عن عبيد بن عُمير قال: «صَلَّىَ [بنا] عُمَرُ الفَجْرَ، فَافْتَتَحَ [سورة] يُوْسُفَ فَقَرَأَ [حتى بلغ] {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[يوسف:84] فَبَكَى حَتَّى انْقَطَعَ فركع».
          وفي «سنن أبي داود» عن عبد الله بن الشِّخِّيْرِ: «رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلعم يُصَلِّي بِنَا وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ». وعند النسائي: «وَلِجَوْفِهِ أَزِيْزٌ» الحديثَ.
          وفي «العلل» لأحمد رواية عبد الله قال أبي: لم يقل أحد: من البكاء إلا يزيد يعني ابن أبي زياد، وفي «علل الخلال» قال يحيى بن معين: قد روى حَمْزَةُ الزَّيَّات، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عنِ النَّبِيِّ صلعم أنَّهُ قَرَأَ: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا}[المزمل:12] فَصَعِقَ، قال يحيى: وحُمْران وأخوه عبد الملك ليسا بشيء.
          قَالَ السَّفَاقُسيُّ: أجاز العلماء البكاء في الصلاة من خوف الله تعالى وخشيته.
          واختلفوا في الأنين والتأوه:
          قال ابن المبارك: إذا كان غالبًا فلا بأس، وعند أبي حنيفة إذا ارتفع تأوُّهُه أو بكاؤه فإن كان من ذكر الجنَّة والنار لم يقطعها، وإن كان من وجع أو مصيبة قطعها، وعن الشافعي وأبي ثور: لا بأس به إلا أن يكون كلامًا مفهومًا، وعن الشعبي والنخعي يعيد صلاته، وعن مالك: «قَرَأَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمَّا بَلَغَ {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}[الليل:14] خَنَقَتْهُ العَبْرَةُ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَرَأَ فَنَابَهُ ذَلِكَ، فَتَرَكَهَا وَقَرَأَ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}[الطارق:1]».
          حديث الباب تقدم في مرض النبي صلعم.
          وأما النَّشِيْجُ: فذكر أبو المعالي في «المنتهى» قال: نَشَجَ الباكي ينشِج نَشِيجًا إذا غصَّ بالبكاء في حلقه أو تردد في صدره ولم ينتحب، وكلُّ صوتٍ بدأ كالنفخة فهو نشيج، وفي «المُحْكَم»: النشيج أشد البكاء، وقيل: هي فاقة يرتفع لها النَّفَسُ كالفُواق، وقال أبو عبيد: النشيج هو مثل بكاء الصبي أو ردد صوته في صدره ولم يخرجه، وفي «مجموع الغرائب»: هو صوت معه توجُّعٌ وتحزُّنٌ.