التلويح شرح الجامع الصحيح

باب: يهوي بالتكبير حين يسجد

          ░128▒ (بابٌ يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ)
          وَقَالَ نَافِعٌ: «كَانَ ابنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ».
          هذا التعليق رواه الحاكم فقال: حَدَّثَنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن بطة: حَدَّثَنا عبد الله بن محمد بن زكرياء: حَدَّثَنا مُحْرِز بن سلمة: حَدَّثَنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَفْعَلُ ذَلِكَ». وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه، وله مُعَارِضٌ من حديث أنس ووائل بن حُجْر.
          وقال الحازميُّ: هذا حديث يُعَدُّ من مفاريد عبد العزيز، قال: والمشهور عن ابن عمر في هذا ما حَدَّثَنا أبو الحسن المقرئ: حَدَّثَنا الحسن بن محمد بن إسحاق: حَدَّثَنا يوسف بن يعقوب القاضي: حَدَّثَنا سليمان بن حرب: حَدَّثَنا حمَّاد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ، فَإِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا، فَإِنَّ اليَدَيْنِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الوَجْهُ».
          وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أخبرنا محمد بن يزيد العدل: أخبرنا إبراهيم بن أبي طالب / حَدَّثَنا المؤمل بن هشام: حدَّثنا ابن علية: حَدَّثَنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رفعه: «إِنَّ اليَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَهُ، فَلْيَرْفَعْهُمَا». انتهى.
          هذا الأخير خرَّجه ابن خزيمة في «صحيحه» وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ثم قال ابن خزيمة: ذِكْرُ الدليل على أن الأمر بوضع اليدين [قبل الركبتين] عند السجود منسوخ وأن وضع الركبتين قبل اليدين ناسخ، فذكر حديثًا عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كُهَيْلٍ، عن أبيه، عن سلمة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: «كُنَّا نَضَعُ اليَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأُمِرْنَا بالرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ اليَدَيْنِ».
          قال الحازمي: حديث سعد في سنده مقال، ولو كان محفوظًا لدلَّ على النسخ، غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه نسخ التطبيق، وكذا ذكره البيهقي وغيره، وفي «المغني»: لابن قدامة ما يشدُّ قول ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري قال: «كُنَّا نضعُ اليَدَيْنِ قبلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأُمِرْنَا بوضعِ الرُّكْبَتَيْنِ قبل اليدينِ».
          وعن وائل بن حجر: «رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلعم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». قال الحاكم: قد احتجَّ مسلم بشريك وعاصم بن كليب، ولعلَّ متوهمًا يتوهم أنه لا يعارَض حديثٌ صحيح الإسناد بإسناد صحيح، وهذا المتوهم ينبغي أن ينظر في كتاب الصلح من كتاب مسلم حتى يرى من هذا النوع ما يمل منه، فأما القلبُ في هذا فإنه إلى حديث ابن عمر أميل لروايات في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين، وقال البزار في «السنن»: لا نعلم رواه عن عاصم إلا شريك، ولا نعلم رواه عن شريك إلا يزيد بن هارون، وقد روى أبو هريرة: «أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ إِذَا سَجَدَ تَقَعُ يَدَاهُ إِلَى الأَرْضِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ». وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غَرِيبٌ، لا نعرف أحدًا روى مثل هذا غير شريك _يعني عن عاصم بن كليب_ والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. وروى همام عن عاصم هذا مرسلًا، لم يذكر فيه وائلًا. انتهى كلامه.
          ويفهم منه أن همامًا رواه عن عاصم مشافهة كما رواه شريك، وليس كذلك، إنما رواه عن شقيق أبي الليث حَدَّثَنا عاصم كذا ذكره أبو داود في «المراسيل» والحازمي وقال: وهو المحفوظ، والبيهقي.
          قال ابن القطان: وشقيق هذا لا يُعرف بغير رواية همام عنه، ولما رواه الدَّارَقُطْني في «سننه» قال: قال عفان: هذا الحديث غريب، ورواه أيضًا من حديث حجاج بن منهال، عن همام، عن محمد بن جُحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه بلفظ: «وقعتْ رُكْبَتَاهُ عَلَى الأرضِ قبلَ أن يقعَ». وقال ابن أبي داود: تفرَّد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يُحدِّث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرَّد به. وقال البيهقي: هذا حديث يُعَدُّ في أفراد / شريك، وإنما تابعه همام مرسلًا كذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين وهو المحفوظ، وقال الخطابيُّ: حديث وائل أثبت من حديث تقديم اليدين، وهو أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل ورأي العين.
          وعن أنس: «رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ صلعم انْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ فَسَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ». قال الدَّارَقُطْني: تفرَّد به العلاء بن إسماعيل العطار، وزعم النووي أن البيهقي أشار إلى ضعفه. انتهى.
          الذي رأيت في كتابيه تفرَّد به العلاء، وهذا ليس يوجب ضعفًا للحديث فَيُنظر، وقال الحاكم: وهو صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، وصححه ابن حزم.
          وعن أبي هريرة: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قبلَ يَدَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الجَمَلِ». قال البيهقي ورواه من حديث عبد الله بن سعيد المقبري: وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن فضيل عنه، والذي يعارضه يتفرَّد به محمد بن عبد الله بن الحسن، وعند الدراوردي عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يرفعه: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْه».
          وقال الترمذيُّ: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه، وقال البخاريُّ: محمد بن عبد الله بن حسن لا يُتَابعُ عليه، ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟.
          وقال ابن أبي داود: هذه سنة تفرَّد بها أهل المدينة ولهم فيها إسنادان، هذا أحدهما، والآخر عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلعم، وهذا قول أصحاب الحديث وضع اليدين قبل الركبتين.
          وقال الدَّارَقُطْني: وهذا تفرَّد به الدَّرَاوَرْدي، عن عبيد الله بن عمر، وفي موضع آخر تفرَّد به أصبغ ابن الفرج، عن الدراوردي، ولِمَا خرَّجه الحاكم عن ابن بطة حَدَّثَنا عبد الله بن محمد بن زكريا: حَدَّثَنا بحر بن سلمة: حدَّثنا الدراوردي قال: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي أيضًا من حديث الدراوردي بلفظ: «وليضع يديهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ» ثم قال: كذا على ركبتيه فإن كان محفوظًا كان دليلًا على أنه يضع يديه على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود.
          قال الحازميُّ: اختلف أهل العلم في هذا الباب، فذهب بعضهم إلى أن وضع اليدين قبل الركبتين أولى، وبه قال مالك والأوزاعي والحسن، قال في «المغني»: وهي رواية عن أحمد وبه قال ابن حزم، وخالفهم في ذلك آخرون ورأوا وضع الركبتين قبل اليدين أولى، منهم: عمر بن الخطاب والنخعي ومسلم بن يسار وسفيان بن سعيد والشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأهل الكوفة، زاد في «المصنف»: أبا قلابة ومحمد بن سيرين، وقال أبو إسحاق: كان أصحاب عبد الله إذا انحطوا للسجود وقعت ركبهم قبل أيديهم، وحكاه البيهقي أيضًا عن ابن مسعود، وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء، وحكاه ابن بطال / عن ابن وهب قال: وهي رواية ابن شعبان عن مالك، وقال قتادة: يصنع أهون ذلك عليه. وفي الأَسْبِيجابي عن أبي حنيفة: من آداب الصلاة وضع الركبتين قبل اليدين، واليدين قبل الجبهة، والجبهة قبل الأنف، ففي الوضع يقدم الأقرب إلى الأرض، وفي الرفع يقدم الأقرب إلى السماء، الوجه ثم اليدان ثم الركبتان، وإن كان لابس خُفٍّ يضع يديه أولًا كالمعذور.
          الحديثان اللذان في الباب تقدم ذكرهما، وفي حديث جُحِش شِقه، قال المزيُّ: رواه النسائي عن هشام بن عمار، عن ابن عيينة، عن الزهري. انتهى.
          إنما هذا سند ابن ماجه. والله تعالى أعلم.