الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}

          ░32▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ ╡ {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ} [سبأ:23])
          غرضه مِن ذكر هذه الآية بل مِن الباب كلِّه إثبات كلام الله القائم بذاته تعالى ودليله أنَّه قال ({مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ:23]) ولم يقل: ماذا خلق ربُّكم، وفيه ردٌّ على المعتزلة حيث قالوا: إنَّه متكلِّم بمعنى أنَّه خالقٌ للكلام في اللوح المحفوظ مثلًا.
          وفيه إثبات الشفاعة، وكذا الآية الثانية حيث قال: (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي: بقوله وكلامه، و(فُزِّعَ) أي أزيل الخوف والتفعيل للإزالة والسلب، (وَسَكَنَ الصَّوْتُ) أي: المخلوق لإسماع أهل السماوات إذ الدلائل القاطعة قائمةٌ على تنزُّهه مِن الصوت لأنَّه يستلزم الحدوث لأنَّه مِن الموجودات السيَّالة الغير القارَّة.
          فإن قلت: ما فائدة السؤال وهم سمعوا ذلك؟ قلت: سمعوا قولًا ولم يفهموا معناه كما ينبغي لأجل فزعهم.
          قوله: (وَيُذْكَرُ) تعليقٌ بصيغة التمريض، و(جَابِرٍ) ابن عبد الله الصحابيِّ الخزرجيِّ الأنصاريِّ أحد المكثرين للحديث وهو مع كثرة روايته وعلوِّ مرتبته رحل إلى الشام لحديثٍ واحدٍ يسمعه مِن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْس _مصغَّر أنسٍ_ بن سعدٍ الجهنيِّ العقبيِّ الأنصاريِّ حلفًا، وأمَّا الحديث المرحول لأجله فقيل: هو ((يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ)) إلى آخره، وقيل : ومن تتمَّته بيان المقاصد وهو ما معناه أنَّه لا يدخل الجنَّة وأحدٌ مِن أهل النار يطلبه بمظلمةٍ ولا يدخل النار وأحدٌ مِن أهل الجنَّة يطلبه بمظلمةٍ حتَّى اللطمة، ومرَّ شيءٌ منها في كتاب المظالم [خ¦2440] [خ¦2449].
          وقال ابن بطَّالٍ: هو حديث الستر على المسلم، مرَّ في كتاب العلم في باب الخروج في طلب العلم [خ¦3/19-142].
          قوله: (يُنَادِيهِمْ) أي يقول ليدلَّ / على الترجمة، و(بِصَوْتٍ) أي: مخلوقٍ غير قائمٍ به.
          فإن قلت: ما السرُّ في كونه خارقًا للعادة إذ في سائر الأصوات التفاوت ظاهرٌ بين القريب والبعيد؟ قلت: ليعلم أنَّ المسموع منه كلام الله كما أنَّ موسى كان يسمع مِن جميع الجهات كذلك.
          قوله: (أَنَا الْمَلِكُ، وأَنَا الدَّيَّانُ) أي لا ملك إلَّا أنا ولا مجازي إلَّا أنا، إذ تعريف الخبر دليل الحصر، واختار هذا اللفظ لأنَّ فيه إشارةً إلى الصفات السبعة الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام ليمكن المجازاة على الكليَّات والجزئيَّات قولًا وفعلًا.