الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى

          ░1▒ قوله: (تَوْحِيدِ اللهِ) فإن قلت: ما معناه إذ هو واحدٌ أزلًا وأبدًا قبل وجود الموجودين وبعدهم. قلت: يعني به إثبات الوحدانيَّة بالدليل، أو معناه النسبة إلى الوحدانيَّة نحو فسَّقت زيدًا أي نسبته إلى الفسق.
          لمَّا فرغ البخاريُّ مِن مسائل أصول الفقه شرع في مسائل أصول الكلام وما يتعلَّق بها وبذلك ختم كتابه.
          فإن قلت: الأولى تقديم الكلاميَّات على سائر ما في «الجامع» لأنَّها الأصل وهي الأساس والكلُّ متفرِّعٌ مبنيٌّ عليه فالوضع الطبيعيُّ أن تتقدَّم مسائل أصول الكلام على مسائل أصول الفقه ثمَّ هو على مسائل الفقه ونحوها مِن سائر العمليَّات. / قلت: لعلَّه مِن باب الترقِّي إرادةً لختم الكتاب بالأشرف وختامه مسكٌ، ثمَّ إنَّه قدم التوحيد على غيره لأنَّه أصل الأصول وهو معنى كلمة الشهادة التي هي شعار الإسلام.
          قالوا: صفات الله تعالى إمَّا عدميَّةٌ وإمَّا وجوديَّةٌ، أي نفي النقائص أو إثبات الكمالات، فالأولى تسمَّى بصفات الجلال والثانية بصفات الإكرام، تبارك اسم ربِّك ذي الجلال والإكرام.
          وقدَّم العدميَّة على الوجوديَّة لأنَّ مقتضى العقل أن تنفي النقصان عن الشيء ثمَّ تثبت له الكمال كما يقال : التخلية مقدَّمةٌ على التحلية، وأشرف الجلاليَّات _ويقال لها التنزيهات_ نفي الشريك يعني التوحيد ولهذا قدَّمه، وهو وإن كان أوَّل الواجبات لكنَّه آخر ما تُنحَل إليه المقاصد، ثمَّ الوجوديَّة حصروها في صفاتٍ سبعةٍ : الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام، والباقي مِن صفة الرحمة والخلق ونحوها بتمامها راجعٌ إليها لا يخرج عنها، وختم البخاريُّ بصفة الكلام لأنَّه مدار الوحي وبه تثبت الشرائع، ولهذا افتتح الكتاب ببدء الوحي، فالانتهاء إلى ما منه الابتداء.
          فإن قلت: ختم الكتاب هو بيان الميزان. قلت: ذكره ثمَّة ليس مقصودًا بالذات بل هو لإرادة أن يكون آخر كلامه تسبيحًا وتحميدًا، كما أنَّه ذكر حديث النيَّة في أوَّل الكتاب إرادةً لبيان إخلاصه فيه، ففيه الإشعار بما كان عليه مؤلِّفه في حالتيه أوَّلًا وآخرًا باطنًا وظاهرًا جزاه الله خيرًا.