الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}

          ░56▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]).
          قوله: (قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]) تقديره خلقنا كلَّ شيءٍ بقدرٍ فيلزم منه أن يكون الله خالق كلِّ شيءٍ.
          فإن قلت: قوله تعالى : ({وَمَا تَعْمَلُونَ}) فيه دلالةٌ على أنَّ بعضه بعملنا حيث أسند إلينا. قلت: العمل غير الخلق وهو المسمَّى بالكسب أي ما يكون مسندًا إلى العبد مِن حيث أنَّ له قدرةً، ومسندًا إلى الله مِن حيث أنَّ وجوده بتأثيره فله جهتان: بإحداهما ينفي الجبر وبالأخرى ينفي القدر، وحاصله أنَّه مستندٌ إلى الله تعالى حقيقةً وإلى العبد عادةً.
          فإن قلت: القدرة صفةٌ تؤثِّر على وفق الإرادة فإذا انتفى التأثير فلا يبقى لإثبات القدرة معنى. قلت: التعريف غير جامعٍ لخروج القدرة الحادثة عنه بل هي صفةٌ يترتَّب عليها الفعل أو الترك عادةً فكلُّ ما أسند مِن أفعال العباد إلى الله فهو بالنظر إلى التأثير ويقال له الخلق، وما أسند إلى قدرتهم ويقال له الكسب، وقد يعبِّر عنه بعضهم بأنَّ الإضافة إلى الله باعتبار الفاعليَّة وإلى العبد باعتبار المحليَّة.
          فإن قلت: فلِمَ يُذمُّ ويُمدح؟ قلت: كما يُذمُّ المبروص ويُمدح صاحب الجمال.
          فإن قلت: فلِمَ نحكم بأنَّه يثاب به ويعاقب به؟ قلت: لأنَّه علامةٌ لهما.
          فإن قلت: التعذيب في مثله يكون قبيحًا. قلت: لا حكم للعقل فيه والعبد ملكه فله أن يفعل فيه ما شاء ويحكم ما يريد.
          قوله: (وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) هذا لفظ الحديث لكن البخاريُّ أظهر مرجع الضمير إذ في الحديث لفظُ ((لهم)).
          فإن قلت : أسند الخلق إليهم؟ فبعض الأشياء ليس مخلوقًا لله تعالى؟ قلت: هذا القول على سبيل الاستهزاء والتعجيز.
          قوله: (ابْنُ عُيَيْنَةَ) سفيان، و(بَيَّنَ اللهُ) أي فرَّق بينهما حيث عطف أحدهما على / الآخر وكيف لا و(الأَمْرِ) قديمٌ و(الخَلْقَ) حادثٌ.
          وفيه أن لا خلق لغير الله حيث حصر على ذاته تعالى بتقديم الخبر على المبتدأ.
          قوله: قال تعالى: ({جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]) مِن الإيمان وسائر الطاعات فسمَّى الإِيمَانَ عَمَلًا حيث أدخله في جملة الأعمال.
          قوله: (وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ) وهم ربيعة، و(جُمَلٍ) أي أمورٍ كليَّةٍ مجملةٍ، و(بِالإِيمَانِ) أي بتصديق الرسول صلعم بما علم مجيؤه به ضرورةً، وبـ(الشَّهَادَةِ) أي كلمة التوحيد، و(فَجَعَلَ) أي النبيُّ صلعم (كُلَّهُ) ومِن جملته الإيمان (عَمَلًا).