الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع

          ░39▒ قوله: (بِالأَمْر) أي ذِكْرِ اللهِ عباده بأن يأمرهم بالطاعات (وَذِكْرِ العِبَادِ) له بأن يدعوه ويتضرعوا إليه ويبلغوا رسالته إلى الخلائق، يعني المراد بذكرهم الكمال لأنفسهم والتكميل للغير، وقال بعضهم: الباء في لفظ الأمر بمعنى مع.
          قوله: (غُمَّةً) أي: ما في بقيَّة الآية وهو قوله تعالى: {فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ} [يونس:71] ففسَّر الغمَّة بالهمِّ والضيق وفسَّر مُجَاهِدٌ (اقْضُوا) باعملوا أي (مَا فِي أَنْفُسِكُمْ) مِن إهلاكي ونحوه مِن سائر الشرور. وقال: معنى الآية فافرق فاقض أي أظهر الأمر وافصله وميِّزه بحيث لا يبقى غمَّةً أي: لا تبقى شبهةٌ وسترةٌ وكتمانٌ، ثمَّ اقض بالقتل ظاهرًا مكشوفًا ولا تمهلوني بعد ذلك، وفي بعضها <يُقالُ: افْرُقْ فاقْضِ > فلا يكون مسندًا إلى مجاهدٍ، والمقصود مِن ذكر هذه الآية في الباب أنَّ النبيَّ صلعم مذكورٌ بأنَّه أُمِر بالتلاوة على الأمَّة والتبليغ إليهم، وأنَّ نوحًا كان يذكِّرهم بآيات الله وأحكامه، كما أنَّ المقصود بالباب في هذا الكتاب بيان كونه تعالى ذاكرًا ومذكورًا بمعنى الأمر والدعاء.
          قوله: (إِنْسَانٌ) أي: مشركٌ وحيث جاء تفسير للمأمَن يعني إن أراد مشركٌ سماع كلام الله فاعرض عليه القرآن وبلغه إليه وآمنه عند السماع فإن أسلم فذاك وإلَّا فردَّه إلى مأمنه مِن حيث أتاك.
          قوله: (النَّبَأُ العَظِيمُ) أي: ما قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1-2]. أي (القُرْآنُ) أي : فأجب عن سؤالهم وبلغ القرآن إليهم وقال تعالى : {لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ:38]. أي: قال حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ فإنَّه يؤذن له في القيامة بالتكلُّم.
          فان قلت: ما وجه ذكره هاهنا؟ قلت: عادة البخاريِّ أنَّه إذا ذكر آيةً مناسبةً للمقصود يذكر معها بعض ما يتعلَّق بتلك السورة التي فيها تلك الآية ممَّا ثبت عنده مِن تفسيرٍ ونحوه على سبيل التبعيَّة.