الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط}

          ░58▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ ╡ : {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47])
          و(القِسْطَ) مصدرٌ يستوي فيه المفرد والمثنَّى والجمع أي: الموازين العادلات.
          فإن قلت: ثمَّة ميزانٌ واحدٌ توزن به الحسنات والسيِّئات. قلت: جُمع باعتبار العباد وأنواع الموزونات، و(لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) أي: في يومها، وقال الزجَّاج : أي نضع الموازين ذوات القسط. قال أهل السنَّة: إنَّه جسمٌ محسوسٌ ذو لسانٍ وكفتين والله تعالى يجعل الأعمال والأقوال كالأعيان موزونةً أو توزن صحفها، وقيل: هو ميزانٌ كميزان الشعر، وفائدته إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف والإلزام قطعًا لأعذار العباد.
          قوله: (مُجَاهِدٌ) هو ابن جَبْرٍ _بفتح الجيم وسكون الموحدة_ المكِّيُّ المفسِّر، قال في قوله تعالى: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء:35]: (القُسْطَاسُ) أي بضمِّ القاف وكسرها (العَدْلُ) بلغة أهل الروم.
          فإن قلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف:2] يمنع ذلك، قلت: وضع العرب فيها وافق لغتهم أي هو مِن باب توافق الوضعين وللأصوليِّين في أمثاله مباحث.
          قوله: (القِسْطُ) بالكسر (مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ).
          فإن قلت: مصدره الإقساط لا القسط. قلت: المراد المصدر المحذوف الزوائد نظرًا إلى أصله فهو مصدر مصدره إذ لا خفاء أنَّ المصدر الجاري على فعله هو الإقساط، و(الْمُقْسِطِ هُوَ العَادِلُ) قال تعالى : {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]، و(القَاسِطُ) هو الظالم قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:15].
          فإن قلت: المزيد لا بدَّ أن يكون مِن جنس المزيد. قلت: إمَّا أن يكون المقسط مِن القِسط _بالكسر_ وإمَّا أن يكون مِن القَسط_بالفتح_ الذي هو بمعنى الجَور والهمزة للسلب والإزالة.