مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عمرو بن عبسة بن خالد

          عَمرُو بنُ عَبَسةَ بنِ خالِدٍ
          كُنيتُه: أبو نَجيحٍ، كانَ يعتزِلُ الأصنامَ قبل إسلامِه، وأسلمَ قديماً، وقال: لقد رأيتُني وأنا رُبعُ الإسلامِ، ثمَّ رجَعَ إلى بلادِ قومِه بني سُليمٍ، فلم يزَلْ مُقيماً هنالك حتى مضَتْ بدرٌ وأحُدٌ والخندَقُ والحُدَيبيةُ وحُنَينٌ، ثمَّ قدِمَ بعد ذلك على النبيِّ صلعم المدينةَ ونزَلَها(1).
          وهو من أفرادِ مسلمٍ.
          عنه من روايةِ أبي أمَامَةَ قالَ: قال عمروُ بن عبسَةَ: كنتُ وأنا في الجاهليَّةِ أظنُّ أنَّ(2) النَّاسَ على ضَلالَةٍ وأنَّهم ليسُوا على شَيءٍ وهُم يعبدُونَ الأوثانَ، قالَ: فسمعْتُ برجلٍ بمكَّة يخبرُ أخباراً فقعدتُ على راحلَتي فقدمتُ عليهِ، فإذا رسولُ الله صلعم مستَخفِياً حرَاء(3) عليه قومُهُ، فتلطَّفتُ حتى دخلتُ عليه بمكَّةَ فقلتُ له: ما أنتَ؟ قالَ: ((أنَا نبيٌّ)) قلت: وما نبيٌّ؟ قالَ: ((أرسلَنِي اللهُ)) فقلت: بأيِّ شيءٍ أرسلَكَ؟ قال(4): ((أرسلَني بصلَةِ / الأرحَامِ وكسرِ الأوثانِ وأنْ يوحَّدَ اللهُ لا يشرَكَ به شيءٌ)).
          قلت له: فمَن معَكَ على هذَا؟ قالَ: ((حرٌّ وعبدٌ))_قالَ: ومعَهُ يومئذٍ أبو بكرٍ وبلالٌ_ فقلت: إنِّي متبعُكَ قالَ: ((إنَّك لا تستَطيعُ ذلك يومَكَ هذا(5)، ألا تَرى حالِي وحالَ النَّاسِ، ولكنِ ارجِعْ إلى أهلِكَ فإذا سمعْتَ بي قَد ظهَرتُ فائتِني)) قالَ: فذهبْتُ إلى أهلِي وقدمَ رسولُ الله صلعم المدينةَ وكنتُ في أهلِي، فجعلتُ أتخبَّرُ الأخبارَ، وأسألُ النَّاسَ حينَ قدمَ المدينَةَ، حتى قدِمَ نفرٌ من أهلِ يثربَ من أهلِ المدينَةِ فقلتُ: ما فعلَ هذا الرَّجلُ الذي قدمَ المدينَةَ؟ فقالوا(6): النَّاسُ إليه سِراعٌ، وقد أرادَ قومُهُ قتلَهُ فلم يستَطيعُوا ذلكَ، فقدِمتُ المدينَةَ فدخلتُ عليهِ، فقلتُ: يا رسُولَ اللهِ، أتعرفُنِي؟ قالَ: ((نعم، أنتَ الَّذي لقيتَنِي بمكَّةَ)) قالَ: فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، أخبِرنِي عمَّا علَّمَكَ اللهُ وأجهلُهُ، أخبِرنِي عن الصَّلاة، قالَ: ((صلِّ صلاةَ الصُّبحِ ثمَّ أَقصِرْ عن الصَّلاةِ حتَّى تطلعَ الشَّمسُ(7)؛ فإنَّها تطلعُ حين تطلُعُ بينَ قرنَي شيطَانٍ وحينئذٍ يسجُدُ لها الكفَّارُ، ثمَّ صلِّ فإنَّ الصَّلاةَ مشهودَةٌ محضُورَةٌ حتى يستقلَّ الظلُّ بالرُّمحِ، ثمَّ أَقصِرْ عن الصَّلاةِ فإنَّ حينئذٍ تُسجَرُ جهنَّم، فإذا أقبلَ الفيءُ فصَلِّ فإنَّ الصَّلاةَ مشهودَةٌ محضورَةٌ حتى تصلِّي العَصرَ، ثمَّ أقصِرْ عن الصَّلاةِ حتى تغرُبَ الشَّمسُ فإنَّها تغرُبُ بينَ قرنَي شَيطانٍ(8)، وحينئذٍ(9) يسجدُ لها الكفَّارُ)).
          قال: فقلتُ: يا نبيَّ اللهِ، فالوضوء حدِّثنِي عنهُ، قالَ: ((ما منكُم رجلٌ يقربُ وضوءَهُ فيتَمضْمَضُ ويستنشِقُ فينتثِرُ إلا خرَّتْ خطَايَا وجهِهِ وفيهِ وخَياشِيمِهِ، ثمَّ إذَا غسَلَ وجهَهُ كما أمرهُ اللهُ إلَّا خرَّت خطَايَا وجهِهِ من أطرافِ لحيَتهِ مع الماءَ، ثمَّ يغسلُ يدَيهِ إلى المرفقَينِ إلَّا خرَّت خطَايَا يديهِ من أنامِلِهِ مع الماءِ، ثمَّ يمسحُ رأسَهُ إلا خرَّت خطَايَا رأسهِ من أطرَافِ شعرِهِ مع الماءِ، ثمَّ يغسلُ قدَمَيهِ إلى الكعبَينِ إلَّا خرَّت خطَايَا رجلَيهِ من أناملِهِ مع الماء، فإن هو قام فصلَّى فحمِدَ الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهلٌ(10) وفرَّغَ للهِ قلبَهُ(11) إلَّا انصرَفَ من خَطِيئتهِ كهيئةِ يومَ ولدتْهُ أمُّه)).
          فحدَّث عَمرو بنُ عَبَسة بهذا الحديثِ أبا أُمامة صاحبَ رسولِ الله صلعم، فقال له أبو أمامةَ: يا عَمرو بنَ عَبَسة انظرْ ما تقول، في مقامٍ واحدٍ يُعطى هذا الرجلُ؟ فقال عَمرو: يا أبا أمامةَ، لقد كَبِرَتْ سنِّي ورقَّ عظْمِي واقتربَ أجلي، وما بي حاجةٌ أن أكذبَ على اللهِ ولا على رسولهِ، لو لم أسمعْه من رسولِ الله صلعم إلا مرَّة أو مرَّتين أو ثلاثاً أو أربعاً _حتى عدَّ سبعَ مرَّات_ ما حدَّثت به أحداً، ولكني سمعتُه أكثر من ذلك.
          زاد أبو بكر البُرقاني من روايتهِ: قال أبو أمامة لعَمرو بنِ عَبَسة _لصاحب العقلِ، رجل من بني سليم_: بأيِّ شيءٍ تدَّعي أنك رُبْع الإسلامِ؟ قالَ: إني كنتُ أرى الناس على الضَّلالةِ ولا أرى الأوثانَ شيئاً، ثمَّ سمعتُ عن رجلٍ... وذكرَ الحديث بنحوه. /


[1] من قوله: ((كنيته أبو نجيح... إلى قوله: ...ونزلها)): ليس في (ز) و(ف).
[2] ((أن)): ليس في الأصل.
[3] كذا في الأصول تبعاً للحميدي والذي في ((صحيح مسلم)): ((جُرَءاءَ)) وهو أصح.
[4] في (ز): ((فقال)).
[5] ((هذا)): ليس في (ز).
[6] في الأصل: (قال)).
[7] في (ز) زيادة: ((حتى ترفع))، وفي (ف) زيادة: ((حتى ترتفع)).
[8] في (ف): ((الشيطان)).
[9] في الأصل: ((بين قرني قال وحينئذ)).
[10] ((أهل)): ليس في الأصل.
[11] في (ز) و(ف): ((وفرغ قلبه لله)).