مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي

          عبدُ اللهِ بنُ الزُّبيرِ بنِ العوَّامِ القُرشيُّ الأسَديُّ ☻
          يُكْنى: أبا بكرٍ، ويقالُ: أبو خُبيبٍ بابنِه خُبيبٍ، وكان أسَنَّ ولَدِه، كنَّاهُ رسولُ اللهِ صلعم بكُنيةِ جَدِّه أبي أمِّه، وسمَّاهُ باسمِه، هاجَرَتْ أسماءُ من مكَّةَ إلى المدينةِ وهي حامِلٌ به، فولدَتْه سنةَ اثنتَينِ من الهِجرةِ لعشرينَ شَهراً من التَّاريخِ، وهو أولُ مولودٍ وُلدَ في الإسلامِ من المهاجِرينَ بالمدينةِ، ففرِحُوا بذلك، وذلك أنَّهم قيلَ لهم: إنَّ اليهُودَ قَد سحَرَتْكُم، فلا يولَدُ لكم.
          قالتْ أسماءُ: نزلَتْ بقُباءٍ حينَ هاجَرتُ، فوَلَدتُ عبدَ اللهِ بقُباءٍ، ثمَّ أتَيتُ رسولَ اللهِ صلعم، فوضَعتُه في حِجْرِه، فدَعا بتَمْرةٍ، فمضَغَها ثمَّ تفَلَ في فيه، فكانَ أوَّلُ شَيءٍ دخَلَ في جَوفِه رِيقَ رسُولِ اللهِ صلعم، ثمَّ حنَّكَه بالتَّمرةِ، ثمَّ دعا له وبرَّكَ عليه.
          وكانَ شَهْماً شَرِساً ذا أنَفةٍ، له لسَنٌ وفصاحةٌ، كثيرَ الصَّلاةِ والصِّيامِ، كريمَ الجَدَّاتِ والأمَّهاتِ والخالاتِ، بويِعَ له بالخِلافةِ سنةَ أربعٍ وستِّينَ، وقيل: سنةَ خَمسٍ بعد موتِ مُعاويةَ بنِ يزيدَ، واجتمَعَ على طاعتِه أهلُ اليمنِ والحِجازِ والعِراقِ وخُراسانَ. وحَجَّ بالنَّاسِ ثمانيَ حٍجَجٍ.
          وقُتلَ ☼ في أيامِ عبدِ الملِكِ يومَ الثُّلاثاءِ لسَبعَ عشَرَ خلَتْ من جُمادى الأُولى سنةَ ثلاثٍ وسبعين، حاصَرَه الحَجَّاجُ ستَّةَ أشهُرٍ وتسعةَ عشَرَ يَوماً، واجتَمَعَ بأمِّه في اليومِ الذي قُتلَ فيه، فقالَتْ له: يا بُنيَّ؛ لا تقبَلَنَّ منه خُطَّةً تَخافُ فيها على نفسِكَ الذُّلَّ مَخافةَ القَتلِ، فواللهِ لَضَربةُ سَيفٍ في عِزٍّ خَيرٌ من ضَربةٍ بسَوطٍ في مذَلَّةٍ.
          أقبَلَ علَيهِ حجَرٌ من ناحِيةِ الصَّفا، فضَرَبَه بين عينَيهِ، فنكَسَ رأسَه وهو يقولُ:
ولسنَا عَلى الأعقَابِ تَدْمَى كُلومُنا                     ولكِنْ عَلى أقْدَامِنَا يَقطُرُ الدَّمُ
          وصلَبَه الحَجَّاجُ بعدَ قَتلِه، فنُفيَ زماناً، وجاءَتْ أمُّه امرأةٌ عجُوزٌ مكفُوفةُ البصَرِ، فقالَتْ للحَجَّاجِ: أمَا آنَ لهذا الرَّاكِبِ أن يَنزِلَ؟ فقالَ لها الحَجَّاجُ: المنافِقِ؟ قالَتْ: واللهِ ما كانَ مُنافِقاً، ولكِنَّهُ كانَ صوَّاماً قوَّاماً بَرًّا، قالَ: انصَرِفي فإنَّكِ عجُوزٌ قَد خَرِفْتِ، قالَتْ: لا واللهِ ما خَرِفتُ، ولقد سمِعتُ رسُولَ اللهِ صلعم يقولُ: ((يَخرُجُ في ثَقيفٍ كَذَّابٌ ومُبيرٌ)) أمَّا الكَذَّابُ فقد رأيناهُ، وأمَّا المُبيرُ فأنتَ المُبيرُ.
          قال أبو عمرَ: يقولون: الكَذَّابُ: المختارُ بنُ أبي عُبيدٍ الثَّقَفيُّ، قالَ ابنُ أبي مُلَيكةَ: أنا بشَّرتُ أسماءَ بنُزولِه من الحبَشةِ، فدعَتْ بمِركَنٍ وشَبِّ يَمانٍ، وأمرَتْني بغَسلِه، فكُنَّا لا نتناوَلُ عُضْواً إلا جاءَ معَنا، فنَغسِلُه ونضَعُه في أكفانِه حتى فرَغْنا منه، ثمَّ قامَتْ فصَلَّتْ عليه.
          قال مالكٌ: كانَ ابنُ الزُّبيرِ أفضَلَ من مروانَ، وكانَ أَولى بالأمرِ منه(1).
          له حديثٌ واحدٌ متَّفق عليه قد(2) تقدَّم في مسندِ عبد الله بن جعفرَ في المتفَّق عليه، وهو: أتذكر إذ تلقينا رسُولَ الله صلعم... الحديث.


[1] من قوله: ((يكنى أبا بكر... إلى قوله: ...بالأمر منه)): ليس في (ف) و(ز).
[2] في (ف): ((وقد)).