مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي

          عبدُ اللهِ بنُ جَعفرِ بنِ أبي طالبٍ القُرَشيِّ الهاشِميُّ ☻
          يُكْنى: أبا جَعفَرٍ، أمُّهُ: أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ، ولدَتْه بأرضِ الحبَشةِ حين هاجَرَ أبوهُ إلى أرضِ الحبَشةِ، وهو أولُ مولودٍ وُلدَ في الإسلامِ بأرضِ الحبَشةِ، وقَدِمَ مع أبيهِ المدينةَ، وحَفِظَ عن رسُولِ اللهِ صلعم.
          وكانَ كَريمًا جَواداً حَليماً عَفِيفاً سَخيًّا، يُسمَّى: بَحرَ الجُودِ، ويقالُ: إنَّ أجوادَ العرَبِ في الإسلامِ عشَرةٌ، أجوَدُهم: عَبدُ اللهِ، وعُوتِبَ في الجُودِ، فقالَ: إنَّ اللهَ عوَّدَني عَادةً، وعوَّدتُ الناسَ عادةً، وأخافُ إنْ أنا قطَعتُها قُطعَتْ عنِّي.
           ومدَحَه نَصيبٌ، فأعطاهُ إبِلاً وخَيلاً وثياباً ودَنانيرَ ودَراهِمَ، فقيلَ له: تُعطي لهذا الأسوَدِ مثلَ هذا؟ فقال: إنْ كانَ أسودَ فشَعرُه أبيضُ، ولو استَحقَّ بما قالَ نالَ أكثرَ ممَّا نالَ، وهل أعطَيناه إلا ما يَبلى؟ وأعطانا مَدْحاً يُروى وثَناءً يَبقى.
          وأخبارُه في الجُودِ كَثيرةٌ، وكان لا يَرى بسَماعِ الغِناءِ بأساً، وكان إذا قدِمَ على مُعاويةَ أنزَلَه دارَه، وأظهَرَ له من برِّه وإكرامِه ما يستَحِقُّه، وكان ذلك يَغيظُ فاخِتةَ زوجةَ مُعاويةَ، فسمِعَتْ ليلةً غِناءً عندَ عبدِ اللهِ بنِ جَعفرٍ، فأتَتْ إلى معاويةَ، فقالَتْ هلُمَّ فاسمَعْ ما في منزِلِ هذا الرجُلِ الذي جعَلتَه بين لحمِكَ ودمِكَ، قالَ: فجاءَ مُعاويةُ، فسَمِعَ وانصَرَفَ، فلمَّا كانَ في آخِرِ الليلِ سَمِعَ مُعاويةُ قِراءةَ عبدِ اللهِ، فجاءَ فأنبَهَ فاخِتةَ، فقالَ: اسمَعِي مكانَ ما أسمَعتِني.
          توفِّيَ عبدُ اللهِ بالمدينةِ سنةَ ثمانينَ وهو ابنُ تسعينَ سنةً على قَولِ الأكثرِ، وصلَّى عليه أبانُ بنُ عُثمانَ، وهو أميرُ المدينةِ يومَئذٍ، وذلكَ العامُ يُعرفُ بعامِ الجُحافِ، سَيلٍ كانَ بالمدينةِ أذهَبَ الإبلَ وعليها الحُمولةُ(1).


[1] من قوله: ((يكنى أبا جعفر.. إلى قوله: وعليها الحمولة)): ليس في (ف) و(ز).