مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأموي

          عثمانُ بنُ عفَّانَ بنِ أبي العاصِ القرشيُّ الأمويُّ ☺
          يُكْنى: أبا عبدِ اللهِ وأبا عَمرٍو، وأمُّه: أروى بنتُ كُريزِ بنِ ربيعةَ، وُلدَ في السنةِ السادسةِ بعد الفيلِ، هاجَرَ إلى الحبشةِ فارًّا بدينِه مع زوجتِه رقيَّةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلعم، وكان أولَ خارجٍ إليها، وهاجَرَ الهجرةَ الثانيةَ إلى المدينةِ، ولم يشهَدْ بدراً لتخَلُّفِه على تمريضِ زوجتِه رقيَّةَ، وضربَ له رسولُ اللهِ صلعم بسَهمِه وأجرِه، فهو معدودٌ في البدريِّينَ بذلك، وتُوفِّيَت رقيَّةُ سنةَ ستَ من الهجرةِ، فزوَّجَه رسولُ اللهِ صلعم أمَّ كُلثومٍ.
          ورُويَ عن النبيِّ صلعم أنَّه قال: ((سألتُ ربِّي ╡ أن لا يُدخِلَ النارَ مَن صاهَرَ إليَّ أو صاهَرتُ إليه)) وهو أحدُ العشَرةِ المشهودِ لهم بالجنَّةِ، وأحدُ الستَّةِ الذين جعَلَ عمرُ فيهم الشُّورى، وأُخبِرَ أنَّ رسولَ اللهِ صلعم تُوفِّيَ وهو عنهم راضٍ، واشترى بئرَ رُومةَ، واشتَرى موضِعَ خَمسِ سِوارٍ، فزادَه في المسجدِ، وجهَّزَ جيشَ العُسرةِ بسبعِمِائةٍ وخمسين بعيراً، وتمَّ الألفَ بخمسينَ فرَساً، وكان يُحيي الليلَ برَكعةٍ يقرأُ فيها القرآنَ.
          وكان رجلاً رَبْعةً، حسَنَ الوجهِ، عظيمَ اللِّحيةِ، أسمرَ اللونِ، كانَ يصفِّرُ لحيتَه ويشُدُّ أسنانَه بالذهَبِ.
          بويِعَ بالخلافةِ يومَ السَّبتِ غُرةَ المحرَّمِ سنةَ أربعٍ وعشرين بعد دفنِ عمرَ بنِ الخطَّابِ بثلاثةِ أيامٍ، وحاصَرُوه تسعةً وأربعين يوماً، وقُتلَ يومَ الجمُعةِ لليلتينِ بقيَتا من ذِي الحِجَّةِ، وقيل: لثمَانِ عشْرةَ سنةَ خمسٍ وثلاثين، وقيلَ غيرُ ذلك، وصلَّى عليه جُبيرُ بنُ مُطعمٍ، وقيلَ: غيرُه، ودُفَنَ في حَشِّ كوكَبٍ، والحَشُّ: البُستانُ، وكوكَبٌ: رجلٌ من الأنصارِ، وكان عثمانُ اشتراه وزادَهُ في البَقيعِ، وكانَ أولَ مَن قُبرَ فيه، ودُفنَ سرًّا، وغُيِّبَ قَبرُه.
          وكانت ولايتُه اثنتَي عشْرةَ سنةً إلا اثنتَي عشْرةَ يوماً، وقال سعيدُ بنُ زيدٍ: لو أنَّ أُحداً انقَضَّ لِما صُنعَ بعُثمانَ لَكانَ حقيقاً أن ينقَضَّ، وروى عليُّ بنُ زيدِ بنِ جَدعانَ قال: قال لي سعيدُ بنُ المسيِّبِ: انظُرْ إلى وجهِ هذا الرجلِ، فنظَرتُ فإذا هو مُسوَدُّ الوجهِ، فقال: سَلْه عن أمرِه، فقلتُ: حسبي أنتَ، حدِّثْني، فقالَ: إنَّ هذا كانَ يسُبُّ عليًّا وعثمانَ، فكنتُ أنهاهُ لا ينتَهِي، فقلتُ: اللَّهمَّ إنَّ هذا يسُبُّ رجُلَين قد سبَقَ لهما ما تَعلمُ، اللَّهمَّ إن كانَ يُسخِطُك ما يقولُ فيهمَا فأرِني فيه آيةً قال: فاسوَدَّ وجهُه كما تَرى.
          ورثاه جماعةٌ من الشُّعراءِ، فممَّا قال فيه حسَّانُ، ورُويَ أنَّها لكعبِ بنِ مالكٍ، وقيل: للوليدِ بنِ عُقبةَ، فكَفَّ يدَيه ثمَّ أغلَقَ بابَه، وأيقَنَ أنَّ اللهَ ليسَ بغافِلٍ، وقالَ لأهلِ الدارِ:
لا تقتُلوهُم عفَا اللهُ عَن                     ذَنْبِ امْرِئٍ لم يُقَاتِلِ
فكَيفَ رَأْيتَ اللهَ ألْقَى عَلَيهمُ                     العَدَاوةَ والبَغْضَاءَ بعْدَ التَّواصُلِ
وكَيفَ رأيْتَ الخَيرَ أَدْبَرَ بعْدَهُ                     عَنِ النَّاسِ إِدْبارَ السَّحَابِ الجَوافِلِ
          وقُتلَ وهو يقرأُ في المُصْحَفِ، فوقعَتْ قَطْرةٌ من دمِهِ على قولِهِ تعَالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة:137] وكانَ سِنُّه يومَ ماتَ تسعينَ سنةً، وقيل: ثمانٍ وثمانينَ، وقيل: اثنَينِ وثمانين(1).


[1] من قوله: ((يكنى أبا عبد الله... إلى قوله: ...ولم يشهد بدراً)): ليس في (ز) و(ف).