مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي

          أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطَّابِ بنِ نُفيلٍ القرشيُّ العدويُّ ☺
          من بني عَديٍّ، كُنيتُه: أبو حفصٍ، أمُّه: حَنتَمةُ بنتُ هاشمِ بنِ المغيرةِ، وُلدَ عمرُ ☺ بعد الفيلِ بثَلاثَ عشْرةَ سنةً، وكان عمرُ من أشرافِ قريشٍ، وإليه كانتِ السِّفارةُ في الجاهليةِ، وذلك أنَّ قُريشاً كانت إذا وقعَتْ بينهم حربٌ أو بينَهم وبينَ غيرِهم بعثُوه سفيراً، وأسلمَ بعد أربعينَ رجُلاً وإحدى عشْرةَ امرأةً، وكان إسلامُه فتحاً، وهِجرتُه نصراً، وغضَبُه عِزًّا، ورضاه عَدْلاً.
          قال عبدُ للهِ بنُ مسعودٍ: ما زلنا أعزَّةً منذ أسلمَ عمرُ، وسُميَ بذلك الفاروقَ، ونزَلَ جبريلُ فقالَ: إنَّ أهلَ السَّماءِ استَبشَرُوا بإسلامِ عمرَ، وجمَعَ القرآنَ، وكانَ أحَدَ الفُقهاءِ الذين يُفتونَ على عهدِ رسولِ اللهِ صلعم، وهو من المهاجِرين الأوَّلين، وشَهِدَ بدراً وبيعةَ الرِّضوانِ وسائرَ مشاهدِ رسولِ اللهِ صلعم، وتوفِّيَ رسولُ اللهِ صلعم وهو عنه راضٍ، ونزَلَ القرآنُ بمُوافقةِ قولِه في أسرى بدرٍ، وفي الحجابِ، وتحريمِ الخمرِ، ومَقامِ إبراهيمَ.
          وهو أولُ مَن دُعيَ بأميرِ المؤمنين، وأرَّخَ التاريخَ، وجمَعَ الناسَ على قيامِ رمَضانَ، وأولُ مَن عسَّ في عمَلِه وحمَلَ الدُّرةَ وأدَّبَ بها، ووضَعَ الخَراجَ، وفتَحَ الفتوحَ، ومصَّرَ الأمصارَ، وفرضَ الأعطيةَ، ودوَّنَ الديوانَ، وحجَّ بأزواجِ النبيِّ صلعم في آخِرِ حَجَّةٍ حجَّها، وكان نَقشُ خاتمِه: كفى بالموتِ واعِظاً يا عمرُ.
          وكان آدَمَ شَديدَ الأدَمةِ، طَوالاً، كَثَّ اللِّحيةِ، أعسَرَ أيسَرَ، يَخضِبُ بالحِنَّاِء والكَتَمِ، وقيل: كانَ أبيضَ أصلَعَ شديدَ حُمرةِ العينَينِ.
          وقال رسولُ اللهِ صلعم في حقِّه: ((لو كانَ بعدي نبيٌّ لَكانَ عُمرُ)) وقال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ: لقد كانوا يرَون أنَّه ذهَبَ بتِسعةِ أعشارِ العلمِ، ولَمجلِسٌ كنتُ أجلِسُه من عمرَ أوثَقُ في نفسي من عملِ سَنةٍ.
          قُتلَ عمرُ ☼ سنةَ ثلاثٍ وعشرين في ذي الحِجَّةِ، طعَنَه أبو لؤلؤةَ فيروزٌ غلامُ المغيرةِ بنِ شُعبةَ لثَلاثٍ بقِينَ من ذي الحِجَّةِ، وقيل: لأربعٍ، وكانت خلافتُه عشْرَ سنينَ وستَّةَ أشهُرٍ، قيل: إنَّه حجَّها كلَّها، ولمَّا حُملَ إلى بيتِه قال لابنِه عبدِ اللهِ: انظُرْ مَن قتَلَني، فخرَجَ عبدُ اللهِ، فقالَ: مَن قتَلَ أميرَ المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤةَ، فأخبَرَ عمرَ، فقال: الحمدُ للهِ الذي لم يجعَلْ قتلي بيدِ رجلٍ يُحاجُّني بلا إلهَ إلا اللهُ.
          واختُلفَ في أبي لؤلؤةَ، قيل: كانَ مجوسيًّا، وقيل: نصرانيًّا، وكانت سنُّ عمرَ يومَ تُوفِّيَ ثلاثاً وستِّينَ سنةً، كسِنِّ النبيِّ صلعم وسنِّ أبي بكرٍ، وصلَّى عليه صُهيبٌ، ودُفنَ إلى جَنبِ أبي بكرٍ، وناحَتْ عليه الجِنُّ، فسمِعُوا قائلاً يقولُ:
عليكَ سلامٌ من إمامٍ وباركَتْ                     يدُ اللهِ في ذاك الأديمِ الممزَّقِ
فمَنْ يسَعْ أو يركَبْ جَناحَي نعامةٍ                     لَيُدرِكُ ما قدَّمتَ بالأمسِ يُسبَقِ
قضَيتَ أموراً ثمَّ غادَرتَ بعدها                     بوائقَ في أكمامِها لم تُفتَّقِ
وما كنتُ أخشى أن تكونَ وفاتُه                     بكَفٍّ سَبنَتى أزرقِ العينِ مُطرِقِ
أبَعدَ قتيلٍ بالمدينةِ أظلمَتْ                     له الأرضُ تهتَزُّ العِضاهُ بأسوُقِ(1)


[1] من قوله: ((ابني عدي... إلى قوله: ...العضاة بأسوق)): ليس في (ز) و(ف).