مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

المقدمة

          ♫
          ربِّ يسِّر وأعنْ برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ(1).
          قالَ الشيخُ الإمامُ العالمُ(2) الحافِظُ العَلامة: عزُّ الدين أبو محمَّد عبدُ العزيز بن رضوان بن عبدِ الحقِّ بن الحنبليِّ، تغمَّده اللهُ برحمتهِ ورضوانهِ(3):
          الحمدُ لله الذي أرسلَ محمَّداً رحمةً للعَالمين، وهدًى للضَّالين، وإماماً للمتَّقينِ، وخصَّهُ بالبعثَةِ إلى النَّاس أجمعين، وأيَّده بكتابهِ العربيِّ المبينِ، الفَارقِ بين الشَّك واليقينِ، المشحُونِ بجواهِرِ الحِكَمِ وقوَاطعِ البرَاهين، المعجِزِ دونَ(4) مُعارضتِهِ فصَاحةَ البُلغاء المبرِّزينَ، فلم يَزلْ صلعم يدفَعُ بظهورِ مُعجزاتِهِ في نحوُرِ المُلحِدينَ، ويدمَغُ بإقامَةِ شريعتِهِ أباطِيلَ المعَاندِين، حتَّى أسفَرَ صُبحُ حقائقِهَا لبصَائرِ المعتبرينَ، واستَنارَتْ بدورُ حِكَمهَا لأبصَارِ المكلَّفينَ، ووضَحَتْ مآخِذُ سُبُلِهَا لعزَائمِ السَّالكِين، صلعم وعَلى آله المصطَفينَ وأصحَابهِ الأكرمِينَ صلَاةً دَائمةً دوامَ السَّماواتِ والأرضينَ، مبلَّغةً مِنَّا إليهِ(5) كلَّ آنٍ وحين، وبعدُ:
          فإنَّ أولى ما سمَتِ الهِمَمُ إلى تحصيلِهِ، واسْتُنفدَ العُمر في القيامِ بمضمُونِ جُملهِ وتفَاصيلهِ: ما أورَثَ السَّعادةَ الأبديَّة، وكفلَ بمحصُولِ(6) المصَالح الدُّنيويَّة والأُخرويَّة، وهو علم حديثِ رسولِ الله صلعم المنزَّه عن الخطأِ والخطَلِ، المتلَقَّى من المعصُومِ عن الزَّيغ والزَّللِ، قال اللهُ تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عنه فَانْتَهُوا} [الحشر:7]، ولمَّا كان صلعم مرسَلاً إلى الأحمرِ والأسودِ، مكلَّفاً بالتَّبليغِ(7) إلى من وُجِدَ في زمانِهِ ومَن لم يوجَدْ، قال اللهُ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28]، وقال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ(8) لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، وجَب تحمُّلُ ما سُمِعَ منه ونُقِلَ، وأداءُ ما روِي عنه وتُحمِّلَ، إذ ما لا يتِمُّ الواجبُ إلا بهِ فهوَ واجبٌ، ولقولِهِ: ((ليُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغائبَ))(9) وأنَّه لما كثر ضُعفَاء الوسَائطِ من النَّقلَة، وتزَايدَ تحرِيفُ الغَالينَ من الجهَلَةِ، وجبَ العُدولُ إلى ما نقلَهُ الثِّقاتُ، وتداولَهُ العُدولُ الأثبَاتُ.
          قال صلعم: ((يَحمِلُ هذَا العِلمَ من كلِّ خلفٍ عدولُهُ، ينفُونَ عنه تحرِيفَ الغالِينَ وانتحَالَ المبطِلِينَ)) وأعلى ما دُوِّنَ في ذلك وأُلِّفَ، وأثبَتُ ما نُقِلَ وصُنِّف: الكتَابانِ المنسُوبانِ إلى الإمامَينِ العالَمينِ(10) الحافظَينِ الفاضِلَينِ: أبي(11) عبدِ الله محمَّدِ بن إسماعيلَ البخاريِّ، ومسلمِ(12) بن الحجَّاجِ النيسابوريِّ ⌐، إذ(13) بلغَا الغايةَ فيما انتَحلَاهُ، ووثقَتِ الأمَّةُ بما ضمَّناهُ كتابَيهِمَا لما شرَطَاه، ولمَّا عُرف ذلكَ من كتابيهما وتقرَّر، وثبتَ ما أودَعاهُ إيَّاهُما وتحرَّر، عدلَ من عَدلَ إلى تجرِيدِ ما فيهِمَا من المتونِ؛ ليعتَني بحفظِهِمَا الطَّلبةُ المقصِّرون، وأقربُ مَا دُوِّن في ذلك: الكتاب / المنسُوبُ إلى الإمامِ الحافظِ أبي(14) عبد الله محمَّد بن فتوح بن عبدِ الله الحُميدِيِّ ⌂، المشهُود له بالإجادَةِ والدِّرايةِ والإتقَانِ واتِّساعِ الرِّواية، على أنَّه قد أخذَ حظًّا من التَّطويلِ بتعدَادِ طُرقِ الحديثِ الواحِد، وإعادَةِ كثيرٍ من المتون في كثيرٍ من المسَانيدِ.
          فحبَاني إذ ذاكَ(15) مقتَضَى التَّحصِيِل حينَ منعَ قاصِرَ همَّتي مانعُ التَّطويلِ، على أَنْ اختصَرتُ لنَفْسِي منهُ(16) هذَا الكتابَ تَسْهيلاً لحفْظِهِ عليَّ وعلى من يُؤثرهُ من الطُّلَّابِ، فاقتصَرْتُ على ذكرِ الصَّحَابيِّ إلا أن تدعُو حَاجةٌ إلى ذكْرِ من عدَاهُ من التَّابِعي وغَير التَّابعِي، وأثبتُ ممَّا تكررَ من المتُونِ في المسَانِدِ بين الرُّواةِ ما تمَّ لفظهُ منها وكثرَ معناه(17)، وحذفْتُ ما عداهُ، وإن كان في غَيرِ الأتمِّ زيادةٌ يسيرةٌ أشرتُ إليهَا في أتمِّهما، وإن تقاربَا في الاتفَاقِ والافتراقِ فلا بدَّ من ذكرِهمَا، وإن تسَاويَا لفظاً ومعنًى اجتزَأتُ بأحَدِهما معَ الإشَارةِ إلى ذكرِ راوِيهِ وتعيينِ ما توافَقَا عَليهِ من الألفَاظِ فيه.
          واخترتُ ممَّا تعَاقَبَ من الطُّرُقِ على المتنِ الواحِدِ ما اشتمَلَ على اللَّفظِ الأتمِّ والمعنَى الزَّائدِ، إلَّا أن يكُونَ في غَيرِ الأتمِّ زيادَةٌ ليسَتْ في الأتمِّ، فلا بدَّ من ذكرِهَا من غَيرِ ذكرِ مخَرِّجهَا إذ هي متسَاويَةٌ في اعتبَارِهَا والأخْذِ بها.
          ورسمْتُ المشهُورَ من اسمِ كلِّ صحابيٍّ أو كنيتِهِ أو لقبهِ، ورتَّبْتُ أوائلَ ذلكَ عَلى ما وافقَ من حُروفِ المعجَمِ ليسهلَ استخرَاجُه عندَ طلبهِ، وابتدأْتُ في كلِّ حرفٍ بذكرِ الأشهَرِ من الكُنى، ثمَّ أسمَاءِ الرجَالِ، ثمَّ عقبتُهُ بذكرِ ما وافقَهُ من أسمَاء النِّسَاءِ وكُناهُنَّ على هذا المثالِ.
          وأشرْتُ عندَ ترجمةِ كلِّ صَحَابيٍّ إلى ذكرِ ما يتهيَّأُ معَ اسمِهِ أو كنيتِهِ، من والدِهِ ووالدتِهِ وبلدِهِ وقبيلتِهِ ومولدِهِ وهجرتِهِ، ووقْتِ إسلامِهِ، ووفاتِهِ، ومدَّةِ سنيِّ حياتِهِ، وعقبتُهُ بذكرِ المشهُورِ من فضَائلهِ، وصفتِهِ؛ لكثرَةِ فوائدِ ذلكَ معَ قلَّةِ مَؤُونتِهِ(18).
          على أنِّي بذلْتُ الوسْعَ في مُقَابلتهِ، وحذفتُ ما أشرْتُ إلى حذفهِ مع صُعُوبتهِ، إلَّا ما أغفلَهُ النِّسيَانُ المبسُوطُ فيه العذرُ للإنسَانِ، والمأخوذُ على من عثَرَ فيه على ساقطٍ أو مصحَّفٍ أو مُغَيَّرٍ مكرَّرٍ إثباتُه وحذفُهُ وإصلَاحُه وكشْفُه(19).
          هذا معَ النَّظر إليه بعَينِ التَّجاوزِ والمسَامحةِ، والاعتمَادِ في ذلك(20) على نيَّةِ مؤلِّفِهِ الصَّالحةِ، ليتِمَّ مقصُودُ الكتَابِ، ويأخذُ في ذلك بحظٍّ من الأجْرِ والثَّوابِ، وسمَّيتُ الكتَابَ بـ:
          ((مَطلَعِ النَّيِّرَينِ المختَصَر من الصَّحِيحَينِ))
          ولا خفاءَ بمناسبةِ هذهِ التَّسميةِ لمُسمَّاهَا، ومطَابقةِ لفظِهَا لمعنَاها، واللهُ تعالَى المسؤولُ أن يُبلِّغَني ما عَزمْتُ عليهِ من حفْظِهِ وفهمِهِ، وينفَعَني بالعَملِ بهِ وبرسمِهِ، وهو حسبنَا ونعمَ الوكيل.


[1] في (ف): ((يسر وأعن يا كريم)).
[2] ((العالم)): ليست في (ف).
[3] في الأصل: ((بسم الله الرحمن الرحيم اللهم وفق وأعن))، بدل: من قوله: ((بسم الله... إلى قوله: ورضوانه)).
[4] في (ف): ((المعجز عن)).
[5] في (ز) و(ف): ((إليه منا)).
[6] في (ف): ((الأبدية وحصل))، وفي (ز): ((بحصول)).
[7] في (ف): ((بتبليغ)).
[8] (({وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ})): ليس في الأصل.
[9] في (ف): ((واجب لقوله ليبلغ الشاهد منكم الغائب)).
[10] ((العالمين)): ليست في (ز) و(ف).
[11] في (ف): ((الإمام أبي)).
[12] في (ف): ((والإمام مسلم)).
[13] في (ف): ((إذ قد)).
[14] في (ف): ((إلى الإمام العلَّامة البارع المبرَّز الحافظِ المتقن الإمام أبي)).
[15] في (ف): ((فحداني إذ ذلك)).
[16] ((منه)): ليست في (ز) و(ف).
[17] العبارات التالية جاءت في (ف) فيها تقديم وتأخير على النحو التالي: ((ما تم لفظه وكثر معناه، وحذفت ما عداه ورسمت المشهور من اسم كل صحابي أو كنيته أو لقبه، ورتبت أوائل ذلك على ما وافق من حروف المعجم؛ ليسهل استخراجه عند طلبه، وبدأت في كل حرف بذكر الأشهر من الكنى، ثم أسماء الرجال، ثم عقبته بذكر ما وافقه من أسماء النساء وكناهن، على هذا المثال مع الإشارة إلى ذكر راويه وتعيين ما توافقا عليه من الألفاظ فيه، واخترتُ ما تعاقبَ من الطرق على المتن الواحد ما اشتمل على اللفظ الأتم والمعنى الزائد، إلا أن يكون في غير الأتم زيادة ليست في الأتم، فلا بد من ذكرها من غير ذكر مخرجها إذ هي متساوية في اعتبارها والأخذ بها، وإن كان في غير الأتم زيادة يسيرة أشرت إليها في أتمهما، وإن تقاربا في الاتفاق والافتراق فلا بد من ذكرهما، وإن تساويا لفظاً ومعنى اجتزأت بأحدهما على أني بذلت الوسع...)).
[18] من قوله: ((وأشرت عند ترجمة... إلى قوله: ...مع قلة مؤونته)): ليس في (ز) و(ف).
[19] في (ف) زيادة: ((عن)).
[20] في (ف) زيادة: ((كله)).