مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي

          عَمرُو بنُ العاصِ بنِ وائلٍ القُرشيُّ السَّهميُّ
          يُكْنى: أبا عبدِ اللهِ، ويُقالُ: أبو محمَّد، ذكَرُوا أنَّهُ جُعِلَ لرجُلٍ ألفُ دِرهَمٍ على أن يسألَ عَمرَو بنَ العاصِ عن أمِّه وهو على المنبَرِ، فسألَه، فقال: أمِّي سَلْمى بنتُ حُرَيمِلةَ، تُلقَّبُ: النَّابِغةَ، من بني عنَزةَ، أصابَتْها رِماحُ العرَبِ، فبِيعَتْ بعُكاظٍ، فاشتراها الفاكِهُ بنُ المغيرةِ، ثمَّ اشتَراها منه عبدُ اللهِ بنُ جَدْعانَ، ثمَّ صارَتْ إلى العاصي بنِ وائلٍ، فولَدَتْ فأنجَبَتْ، فإنْ كانَ جُعلَ لك شَيءٌ فخُذْهُ.
          قَدِمَ مُسلِماً على رسولِ اللهِ صلعم في صفَرٍ سنةَ ثَمانٍ قبل الفتحِ بسِتَّةِ أشهُرٍ ومعه خالدُ بنُ الوَليدِ وعُثمانُ بنُ أبي طَلْحةَ، فلمَّا دخَلُوا على رسولِ اللهِ صلعم المسجِدَ ونظَرَ إليهم قالَ: ((قد رمَتْكُم مكَّةُ بأفلاذِ كَبِدِها)) وأمَّرَه رسولُ اللهِ صلعم على سَرِيَّةٍ في غزوةِ ذاتِ السَّلاسلِ، والسَّلاسِلُ ما بأرضِ جُذامٍ، وبه سُمِّيَتِ الغَزوةُ، وكانوا ثلاثَمِائةٍ، فخافَ، فبعَثَ إلى رسولِ اللهِ صلعم يستَمِدُّه، فأمَدَّه بمِائتَي فارسٍ منهم أبو بكرٍ وعمرُ وأبو عُبيدةَ.
          وولَّاه رسولُ اللهِ صلعم عُمانَ، فقُبضَ رسولُ اللهِ صلعم وهو عليها، وولَّاه عمرُ فِلسطينَ والأردُنَّ، ثمَّ ولَّى معاويةَ الشَّامَ، وكتَبَ إلى عمرَ: وأن صِرْ إلى مِصرَ فافتَتِحْها، فلم يزَلْ عليها والياً حتى ماتَ عمرُ، فأقَرَّهُ عُثمانُ أربعَ سنينَ، ثمَّ عزَلَه.
          وكانَ من فُرسَانِ قُريشٍ وأبطَالِهم، وكان شاعِراً حسَنَ الشِّعرِ، حُفظَ عنه فيه الكَثيرُ، له من قَصيدٍ يُخاطِبُ بها عمَّاراً ابنَ الوَليدِ بنِ المغيرةِ عندَ النَّجاشيِّ:
إذا المرءُ لم يترُكْ طَعاماً يُحِبُّهُ                     ولم يَنهِ قَلْباً غاوياً حيثُ يمَّما
قضَى وطَراً منه وغادَرَ سُبَّةً                     إذا ذُكِرَتْ أمثالُها تملأُ الفَما
          وكان عمرٌو أحَدَ الدُّهاةِ في أمورِ الدُّنيا المقدَّمينَ في الرَّأيِ والمَكرِ، وكانَ عمرُ إذا استَضعَفَ رجُلاً في عقلِه قالَ: أشهَدُ أنَّ خالِقَكَ وخالِقَ عَمرٍو واحِدٌ، يريدُ خالِقَ الأضدادِ، ولمَّا حضَرَتْه الوَفاةُ قالَ: اللَّهمَّ إنَّك أمَرتَني فلم أأتمِرْ، وزجَرْتَني فلم أنزَجِرْ، ووضَعَ يدَه في مَوضِعِ الغِلِّ، فقالَ: اللَّهمَّ لا قويَّ فأنتصِرُ، ولا بريءَ فأعتذِرُ، ولا مُستَكبِرَ بل مُستَغفِرٌ، لا إلهَ إلا أنتَ، فلم يزَلْ يُردِّدُها حتى ماتَ.
          وروى أبو هريرةَ وعُمارةُ بنُ حَزمٍ جميعاً قالا: قالَ رسُولُ اللهِ صلعم: ((ابنا العاصي مؤمِنانِ؛ عَمرٌو وهِشامٌ)) ورُويَ عنه أنَّهُ قالَ: كنتُ للإسلامِ مُعانِداً، حضَرتُ بَدْراً وأُحُداً والخَندَقَ، فنجَوتُ، فقلتُ: واللهِ لَيَظهَرَنَّ محمَّدٌ على فُرسٍ، فلم أحضُرِ الحُدَيبيَةَ ولا صُلحَها، ثمَّ جمَعتُ رجالاً من قومِي يرَونَ رأيي، فقُلتُ: ألا أرى أمرَ محمَّد يعلو الأمورَ، فلْنَلحَقْ بالنَّجاشيِّ، فجمَعْنا أدَماً كَثيراً، ثمَّ خرَجْنا، فواللهِ إنِّي لَعنْدَه إذ جاءَ عَمرُو بنُ أميةَ الضَّمْريُّ، وكانَ رسولُ اللهِ صلعم قَد بعَثَه بكِتابٍ إلى النَّجاشِيِّ ليُزوِّجَه أمَّ حَبيبةَ، فدَخلَ إليه ثمَّ خرَجَ، فقلتُ: لو سألتُ النَّجاشيَّ لَأعطَانيهِ فضرَبتُ عُنقَه، فدخَلتُ إلى النَّجاشيِّ، فقالَ: مرحَباً بصدِيقِي، أهدَيتَ لي من بلادِكَ شَيئاً؟ قلتُ: نعم، وقرَّبتُ الأديمَ، فأعجَبَه، فقلتُ: أيُّها الملِكُ إنِّي رأيتُ رجُلاً خرَجَ من عندِك، وهو رسولُ عدوٍّ لنا، قَد قتَلَ أشرافَنا، فأعطِنيه فأقتُلُه، فغضِبَ ورفَعَ يدَه، فضَرَبَ بها أنفي ضَرْبةً ظنَنتُ أنَّه كسَرَه، وابتَدَرَ مِنخرَاي، فجعَلتُ أتلقَّى الدَّمَ ينتَأُ بي، وأصابَني من الذُّلِّ ما لو انشَقَّتْ لي الأرضُ دخَلتُ فيها فَرَقاً منه، فقلتُ: أيُّها الملِكُ؛ لو ظنَنتُ أنَّكَ تكرَهُ ما قلتُ ما سألتُكَ، قالَ: يا عَمرُو؛ تسألُني رسولَ مَن يأتيه النَّاموسُ الأكبرُ الذي كانَ يأتي موسى وعيسى؟ قالَ عمرٌو: غيَّرَ اللهُ قلبي عمَّا كانَ، فقلتُ: وتشهَدُ أنتَ بهذا؟ قالَ: نعم، أطِعْني واتَّبِعْه، قلتُ: أفتُبايعُني له؟ قالَ: نعم، فبسَطَ يدَه، فبايَعتُه على الإسلامِ، وفارَقتُ أصحابي، وخرَجتُ أُريدُ المدينةَ، فلَقِيتُ خالدَ بنَ الوَليدِ وعُثمانَ بنَ أبي طلحةَ، فترافَقْنا حتى قدِمْنا على رسولِ اللهِ صلعم، فتقدَّمَ خالدٌ فبايَعَ، ثمَّ تقدَّمَ عثمانُ بنُ أبي طَلْحةَ فبايَعَ، فواللهِ ما هو إلا أنْ جلَستُ بين يدَيهِ، فما استطَعتُ أن أرفَعَ طَرْفي حَياءً منه، فبايَعتُه.
          وولَّى مُعاويةُ عَمْراً مصرَ، فلم يزَلْ بها حتَّى ماتَ سنةَ ثلاثٍ وأربعين، وكانَ له يومَ ماتَ تسعونَ سنةً، ودُفنَ بالمُقطَّمِ من ناحيةِ الفَجِّ، وصلَّى عليه ابنُه عبدُ اللهِ، ثمَّ رجَعَ فصلَّى بالناسِ العيدَ، ووُلِّيَ مكانَه(1).


[1] من قوله: ((يكنى أبا عبد الله... إلى قوله: ...وولي مكانه)): ليس في (ف) و(ز).