مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري

          عبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ بنِ ثَعلَبةَ الخَزرجيُّ الأنصاريُّ ☺
          أمُّه: كَبشَةُ بنتُ وافِدٍ، يُكْنى: أبا محمَّد، أحدُ الفُقهاءِ الاثنَي عشَرَ، وأحَدُ السَّبعينَ الذين شَهدُوا العقَبةَ، شهِدَ المشاهِدَ كُلَّها إلا الفتحَ، وهو أحدُ الأُمراءِ في غَزاةِ مُؤتةَ، وأحدُ الشُّعراءِ المحسِنينَ الذين كانوا يردُّونَ الأذَى عن رسُولِ اللهِ صلعم، وفيه وفي صاحِبَيهِ حسَّانَ وكَعبِ بنِ مالكٍ نزَلَ: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً...} [الشعراء:227] الآيةَ، روى عُروةُ أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قالَ له يوماً: ((قُلْ شِعْراً تقتَضِبُه السَّاعةَ وأنا أنظُرُ إليكَ)) فانبَعَثَ مكانَه وقالَ:
إنِّي تفَرَّستُ فيك الخَيرَ أعرِفُه                     واللهُ يعلَمُ أنا ما خانَني البصَرُ
أنتَ النَّبيُّ ومَنْ تُحرَمْ شَفاعَتَه                     يومَ الحِسابِ لقد أودى به الهدَرُ
فنَبَّتَ اللهُ ما آتاك من حَسَنٍ                     تنبيتَ موسى ونَصْراً كالذي نُصِرُوا
          فقالَ رسولُ اللهِ صلعم: ((وأنتَ فنبَّتَكَ اللهُ يا ابنَ رواحةَ)) قال هشامٌ: فنبَّتَه اللهُ أحسَنَ النَّباتِ، فقُتلَ شَهيداً، وفُتحَتْ له الجنَّةُ، فدخَلَها، ورُويَ أنَّهُ مشى ليلةً إلى أمَةٍ له، فنالَها، وفطِنَتْ له امرأتُه، فلامَتْه، فجَحَدَها، وكانت قَد رأتْ جَماعةً، فقالَتْ له: إنْ كنتَ صادِقاً فاقرأِ القرآنَ؛ فإنَّ الجُنبَ لا يقرأُ القُرآنَ، فقالَ:
شهِدتُ بأنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ                     وأنَّ النارَ مثْوى الكافِرينا
وأنَّ العرشَ فوقَ الماءِ حقٌّ                     وفوقَ العَرشِ ربُّ العالمينا
          فقالتِ امرأتُه: صدَقَ اللهُ وكذَبَتْ عيني، وكانَتْ لا تحفَظُ القُرآنَ ولا تقرؤُه.
          وكانَ يكونُ أولَ خارجٍ إلى الغَزوِ وأولَ قافِلٍ، روى عُروةُ بنُ الزُّبيرِ قالَ: لمَّا خرَجَ عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ حين خُروجِه إلى مؤتةَ دعا له المسلمون ولمَنْ معَه أنْ يرُدَّهمُ اللهُ سالمينَ، فقالَ ابنُ رَواحةَ:
لكنَّني أسألُ الرَّحمنَ مغفِرةً                     وضربةً ذاتَ فَرغٍ تَقذِفُ الزَّبَدا
أو طعنةً بيدَي حرَّانَ مُجهِزةً                     بحَرْبةٍ تُنفِذُ الأحشَاءَ والكَبِدا
حتَّى يقولوا إذا مرُّوا على حدَثي                     يا أرشَدَ اللهُ من غازٍ وقد رشَدا
          وقالَ أيضاً يومَ مؤتةَ:
يا نفسُ إن لم تُقتَلي تموتي                     هذا حِمامُ الموتِ قَد صُليتِي
وما تمنَّيتِ فقد أُعطيتِي                     إن تفعَلِي فعلَهُما هُديتِي
          يعني: صاحِبَيه زَيداً وجعفَراً، ثمَّ قاتَلَ حيناً، ثمَّ نزَلَ، فأتاه ابنُ عمٍّ له بعِرْقٍ من لحمٍ، فقال: شُدَّ بهذا ظهرَكَ، فإنَّكَ قَد لقِيتَ في أيَّامِكَ هذه ما لقِيتَ، فأخَذَه من يدِه، فانتَهَشَ فيه نهشةً، ثمَّ سَمِعَ الخَطْمةَ في الناسِ، فقال: وافَتْ في الدُّنيا، فألقاهُ من يدِه، ثمَّ أخَذَ سيفَه، فتقدَّمَ فقاتَلَ حتى قُتلَ ☼، وكانت غزوةُ مُؤتةَ بأرضِ الشَّامِ في جُمادى سنةَ ثَمانٍ، واستخلَفَه النَّبيُّ صلعم على المدينةِ في خُروجِهِ إلى بدر الموعِدِ(1).
          وهو ممَّن انفردَ بالإخراجِ عنه البخاري
          له عنه من روايةِ النُّعمَانِ بن بَشِيرٍ قالَ: أُغميَ على عبدِ اللهِ بن رواحَةَ فجعلَتْ أختهُ عمرةُ تبكِي واجَبَلاه واكذَا واكذَا _تعدِّدُ عليهِ خصَاله الحميدة(2)_فقال حينَ أفاقَ: ما قلتِ شيئاً إلَّا قيلَ لي أنتَ كذَاكَ.
          وفي رواية: فلمَّا ماتَ لم تبكِ عليهِ.


[1] من قوله: ((أمه كبشة.. إلى قوله: بدر الموعد)): ليس في (ز) و(ف).
[2] ((خالصه الحميدة)): ليس في (ز) و(ف).