مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

علي بن أبي طالب بن عبد المطلب كرم الله وجهه

          عليُّ بنُ أبي طالبِ بنِ عبدِ المطَّلبِ كرَّمَ اللهُ وجهَه
          وكُنيتُه: أبو الحسَنِ وأبو تُرابٍ، واسمُ أبيه: عبدُ مَنافٍ، وأمُّه: فاطمةُ بنتُ أسدِ بنِ هاشمٍ، توفِّيَتْ مسلِمةً قبل الهجرةِ، شهِدَ مع رسولِ اللهِ صلعم المشاهِدَ، ولم يتخلَّفْ عنه إلا في تَبوكَ، خلَّفَه رسولُ اللهِ صلعم في أهلِه، وقيل: إنَّه أولُ ذكَرٍ أسلَمَ، ثمَّ زيدُ بنُ حارثةَ، ثمَّ أبو بكرٍ، وصلَّى عليٌّ إلى القِبلتَينِ، وهاجَرَ، وكان لواءُ رسولِ اللهِ بيدِهِ في مَواطِنَ كثيرةٍ، وهو أحدُ العشَرةِ المشهودِ لهم بالجنَّةِ، وماتَ رسولُ اللهِ صلعم وهو عنه راضٍ، وهو أحدُ السِّتَّةِ الذين جعَلَ عمرُ فيهم الشُّورى.
          وقال رسولُ اللهِ صلعم: ((أنتَ منِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى إلا أنَّه لا نبيَّ بعدي)) وآخى رسولُ اللهِ صلعم بينَ المهَاجرِين والأنصَارِ، وآخَى عليًّا، وقال: ((أنتَ أخِي في الدُّنيا والآخِرةِ)) وزوَّجَه رسولُ اللهِ صلعم ابنتَه فاطمةَ، وقال لها: ((زوجُكِ سيِّدٌ في الدُّنيا والآخِرةِ، وإنَّه لَأوَّلُ أصحابي إسلاماً، وأكثَرُهم عِلماً، وأعظَمُهم حِلماً)).
          وبعَثَه النبيُّ صلعم قاضياً إلى اليمنِ وهو شابٌّ ليَقضيَ بينهم، فقال: يا رسُولَ اللهِ؛ إنِّي لا أدري القضاءَ، فضَرَبَ رسولُ اللهِ صلعم صدرَه بيدِه، وقال: ((اللَّهمَّ اهدِ قلبَه وسدِّدْ لسانَه)) قال عليٌّ: فواللهِ ما شكَكتُ بعدها في قضاءٍ بين اثنَينِ، وقال صلعم لعليٍّ: ((لا يُحبُّكَ إلا مؤمنٌ، ولا يُبغِضُكَ إلا مُنافقٌ)) وكان عمرُ يتعوَّذُ باللهِ من مُعضِلةٍ ليسَ بها أبو حسَنٍ، وقال رسولُ اللهِ صلعم في حقِّه: ((أقضَاكُم عليٌّ)).
          رُويَ في صفتِه أنَّه كانَ رَبْعةً من الرِّجالِ إلى القِصَرِ ما هو، أدعَجَ العينَينِ، حسَنَ الوَجهِ، كأنَّه القمرُ ليلةَ البدرِ حُسْناً، ضَخْمَ البطنِ، عَريضَ المنكِبَينِ، شَثْنَ الكفَّينِ، أصلعَ، كبيرَ اللِّحيةِ، شَديدَ السَّاعدِ واليدِ.
          ضربَه عبدُ الرحمنِ بنُ مُلجِمٍ المُراديُّ بالكوفةِ يومَ الجمُعةِ لثَلاثَ عشْرةَ بقيَتْ من رمَضانَ سنةَ أربعين، فبقيَ الجمُعةَ والسبتَ، وماتَ ليلةَ الأحدِ، ودُفنَ في السَّحرِ، قيل: بقَصْرِ الإمَارةِ بالكُوفةِ، وقيل: برَحْبةِ الكُوفةِ، وقيل: دُفنَ بنجَفِ الحِيرةِ.
          ورُويَ عن النبيِّ صلعم أنَّه قالَ لعليٍّ: ((مَن أشقَى الأوَّلينَ؟)) قال: الَّذي عقَرَ النَّاقةَ، قال: ((صدَقتَ)) قال: ((فمَنْ أشقَى الآخِرين؟)) قال: لا أدرِي، قال: ((الَّذي يضرِبُك على هذا _يعنِي: نافوخَه_، فيَخضِبُ هذه _يعني: لحيَتَه_)) وكان عليٌّ إذا رأى ابنَ مُلجِمٍ يقولُ:
أريدُ حَياتَه ويريدُ قتلِي                     عَذِيرُك من خليلِكَ من مُرادِ
          وكان يقولُ: أمَا إنَّ هذا قاتِلي، قيل: فما يمنَعُك منه؟ قال: إنَّه لم يقتُلْني بعدُ.
          واختُلفَ في سنِّه يومَ ماتَ، فقيل: سبعٌ وخمسون، وقيل: ثمانٍ وخمسون، وقيل: ثلاثٌ وستُّون، وبويِعَ له يومَ قُتلَ عثمانُ، واجتمَعَ على بيعتِه المهاجرونَ والأنصارُ إلا نفَراً منهم، فقال: أولئك قومٌ قعَدُوا عن الحقِّ ولم ينصُروا الباطلَ، وذِكرُ فضائلِه يطولُ شَرحُها، قالَ الإمامُ أحمدُ ☺: لم يُروَ في فضَائلِ أحدٍ من الصَّحابةِ ما رُويَ في فضَائلِ عليِّ بنِ أبي طَالبٍ(1).


[1] من قوله: ((وكنيته أبو الحسن... إلى قوله: ...فضائل علي بن أبي طالب)): ليس في (ز) و(ف).