مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

عمار بن ياسر العبسي ثم المذحجي

          عمَّارُ بنُ ياسِرِ بنِ عامِرٍ(1) العَبْسيُّ ثمَّ المَذحَجِيُّ ☺
          يُكنَى: أبا اليقظَانِ، مَولًى لبَنِي مخزُومٍ؛ لأنَّ أباهُ تزوَّجَ أمَةً لأبي حُذيفَةَ بنِ المغِيرةِ، يقالُ لها: سُميَّةُ بنتُ خيَّاطٍ، فولدَتْ له عمَّاراً، فأعتقَهُ أبو حُذيفَةَ، عُذِّبَ عمَّارٌ وأمُّهُ في اللهِ، فأجَابهم عمَّارٌ إلى مَا أرادَ بلسَانهِ وقلبِهِ مُطمئِنٌّ بالإيمانِ، فنزلَتْ: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل:106] وهذا ممَّا اجتَمَعَ علَيهِ أهلُ التَّفسيرِ، هاجَرَ إلى أرضِ الحبَشةِ، وصلَّى القِبلَتَينِ، شَهِدَ بَدْراً والمشاهِدَ كُلَّها، وأبلى ببَدرٍ بلاءً حسَناً، وشَهِدَ يومَ اليَمامةِ، فأبلى فيها أيضاً.
          قالَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ: رأيتُ عمَّارَ بنَ ياسِرٍ يومَ اليَمامةِ على صَخْرةٍ يَصيحُ: يا مَعشرَ المسلِمينَ؛ أمِنَ الجَنَّةِ تفِرُّونَ؟ أنا عمَّارُ بنُ ياسِرٍ، هلُمُّوا، وأنا أنظُرُ إلى أذُنِه قَد قُطِعَتْ، فهي تَذَبذَبُ وهو يُقاتِلُ أشَدَّ القِتالِ، وكانَ طَويلاً أشهَلَ بعيدَ ما بينَ المَنكِبَينِ.
          وقالَ عمَّارٌ: كنتُ تِرْباً لرَسُولِ اللهِ صلعم في سِنِّهِ، وروى عليٌّ ☺ قالَ: جاءَ عمَّارٌ يَسألُهُ على النَّبيِّ صلعم يوماً، فعَرَفَ صَوتَه، فقالَ: ((مَرحَباً بالطَّيِّبِ المطَيَّبِ، ائذَنُوا له))، قُتلَ يومَ صِفِّينَ.
          قالَ عَبدُ اللهِ بنُ سَلَمةَ: لَكأنِّي أنظُرُ إلى عمَّارٍ يَومَ صِفِّينَ واستَسْقى، فأُتيَ بشَرْبةٍ من لبَنٍ، فشَرِبَ، فقالَ: اليَومَ ألقى الأحِبَّةَ، إنَّ رسُولَ اللهِ صلعم عَهِدَ إليَّ: ((إنَّ آخِرَ شَرْبةٍ تَشرَبُها من الدُّنيا شَرْبةُ لبَنٍ)) ثمَّ استَسْقى، فأتَتْه امرأَةٌ طَويلةُ اليَدَينِ بإناءٍ فيه ضياحٌ من لبَنٍ، فقالَ عمَّارٌ حينَ شَرِبَهُ: الحَمدُ للهِ، الجَنَّةُ تحتَ الأسِنَّةِ، وكانَتْ صِفِّينُ في رَبيعٍ الآخِرِ سَنةَ تِسعٍ وثَلاثينَ، ودفَنَه عليٌّ في ثِيابِه، ولم يُغسِّلْهُ.
          ورُويَ أنَّهُ صلَّى علَيهِ، وكانَتْ سِنُّهُ يومَئذٍ نيِّفاً على تِسعِينَ سَنةً، وكانَ أحَدَ الفُقَهاءِ الذينَ يُفتُونَ على عَهدِ رسُولِ اللهِ صلعم(2).


[1] ((ابن عامر)): ليس في (ز) و(ف).
[2] من قوله: ((يكنى أبا اليقظان... إلى قوله: يفتون على عهد رسول الله صلعم)): ليس في (ز) و(ف).