تعليقة على صحيح البخاري

باب الفرق

          ░70▒ (بَابُ الْفَرْقِ).
          فوق الرأس سُنَّة، و(الفرق): إرخاء الشَّعر من خلف بين الأكتاف لا غير، وعن أسامة بن زيد: أنَّ عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة؛ أقام على باب المسجد حرسًا يجزُّون كلَّ من لم يفرق شعره، قال مالك: رأيت عامر بن عبد الله بن الزُّبير وربيعة بن عبد الرَّحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم، وكانت لهشام جمَّةٌ إلى كتفيه.
          فإن قلت: قوله: (كَانَ [النَّبِيُّ صلعم] يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ) يعارض الحديث السَّالف: «إنَّ اليهود والنَّصارى لا يصبغون، فخالفوهم».
          قلت: حديث ابن عبَّاس يحتمل أن يكون في أوَّل الإسلام في وقت قوي فيه طمع الشَّارع رجوع أهل الكتاب وإنابتهم إلى الإسلام، وأحبَّ موافقتهم على وجه للتَّآلف لهم والتأنيس، مع أنَّ أهل الكتاب كانوا على شريعة، وكان المشركون لا شريعة لهم، فسدل ◙ ناصيته؛ إذ كان ذلك مباحًا؛ لأنَّه لم يأته نهي عن ذلك، ثمَّ أراد الله تعالى نسخ السَّدل بالفرق، فأمر نبيَّه بفرق شعره، وترك موافقة أهل الكتاب، والحديث يدلُّ على صحَّة هذا، [و] هو قول ابن عبَّاس: (كان ◙ يحبُّ موافقة(1) أهل الكتاب)، و(كان): إخبار عن فعل مقدَّم.
          قوله: (ثُمَّ فَرَقَ): إخبار عن فعل متأخِّر(2) ، وقع [منه] مخالفة أهل الكتاب، يستدلُّ به على أنَّ شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يَرِد نسخ.


[1] في (أ): (مرافقة).
[2] في (أ): (يتأخر).