تعليقة على صحيح البخاري

باب من جر إزاره من غير خيلاء

          ░2▒ (بَابُ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ [مِنْ غَيْرِ] خُيَلَاءَ)؛ الحديث.
          فيه: بيان أنَّ من سقط ثوبه بغير قصده وفعله، وجرَّه ولم يقصد به خيلاء؛ فإنَّه لا حرج عليه؛ تمثُّلًا بقوله لأبي بكر: «لست ممَّن تصنعه خيلاء»، ألا ترى أنَّه ◙ جرَّ ثوبه حين استعجل السَّير إلى صلاة الخسوف، وهو مبيِّنٌ لأمَّته بقوله وبفعله، / وقد كان ابن عمر يكره أن يجرَّ الرَّجل ثوبه على كلِّ حالٍ، وهذا من شدائد(1) ابن عمر؛ لأنَّه لم يخفَ عليه قصد أبي بكرٍ، وهو الرَّاوي لها، والحجَّة في السُّنَّة، لا فيما خالفها، واللِّباس الحسن مباحٌ للرَّجل، والتَّحسن والجمال في جميع أموره إذا سلم فعله من التَّكبُّر به على مَن ليس له ذلك من النَّاس، وقد وردت الآثار بذلك، وعن سواد بن عمرو الأنصاريِّ قال: يا رسول الله؛ إنِّي رجلٌ حبِّب إليَّ الجمال، وأعطيت منه ما ترى، حتى ما أحبُّ أن يفوقني أحدٌ من النَّاس في شراك نعلي، أفمن الكبر ذلك؟ قال: «لا، ولكنَّ الكبر من بطر(2) الحقَّ وغمط النَّاس»، وقيل: قال له ◙: «ليس ذلك من الكبر، ولكنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال»، وعن عليِّ بن أبي طالبٍ قال: إنَّ الرَّجل يعجبه شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه؛ فيدخل في قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ}؛ الآية [القصص:83] .
          قلت: أجاب الطَّبريُّ: أنَّ من أحبَّ ذلك؛ ليتعظَّم به على من سواه من النَّاس، ممَّن ليس له شبهٌ، فاختال به واستكبر؛ فهو داخلٌ في عداد المستكبرين في الأرض بغير الحقِّ.


[1] في (أ): (سدانة).
[2] في (أ): (بطن).