تعليقة على صحيح البخاري

كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم

          ░░88▒▒ (كِتَابُ اسْتِتَابةِ المُرْتَدِّينَ وَالمُعانِدِينَ وقِتَالِهِم، وَإِثْمِ(1) مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ، وَعُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]).
          الآية الأولى دالَّة(2) على عظم الشِّرك، ولا شكَّ أنَّه لا إثم أعظم منه، ولا عقوبة أشدُّ من عقوبته في الدُّنيا والآخرة؛ لأنَّ الخلود الأبديَّ لا يكون في ذنب غير الشِّرك بالله، ولا يحبط(3) الإيمان غيره؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] ، وإنَّما سمَّى الله تعالى الشِّرك ظلمًا؛ لأنَّ الظُّلم أصلُه وضعُ الشَّيء في غير موضعه؛ لأنَّه كان يجب عليه الاعتراف بالعبوديَّة، / والإقرار بالرُّبوبيَّة حين أخرجه من العدم إلى الوجود، وخلقه من قبلُ ولم يكن شيئًا، ومنَّ عليه بالإسلام والصِّحة والرِّزق إلى سائر نعمه التي لا تحصى، فظلم نفسه ونسب النِّعمة إلى غير مُنعِمها؛ لأنَّ الله تعالى هو الرَّزَّاق والمحيي والمميت، فحصل الإشراك، وذكر بعض المفسِّرين في قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(4) [لقمان:20] : أنَّ رجلًا من العباد عدَّ نَفَسَه في اليوم واللَّيلة، فبلغ أربعة عشر ألف نفس، فكم يُرى لله تعالى من النِّعم في غير النَّفس ممَّا يعلم وممَّا لا يعلم ولا يهتدى إليه، وقد أخبر الرَّبُّ جلَّ جلاله أنَّ من يبدِّل نعمة الله كفرًا؛ فهو صال في جهنَّم، ومثل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} (5) [إبراهيم:28- 29] .


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة»: (باب وإثم).
[2] في (أ): (دال).
[3] في (أ): (ولا يجب).
[4] في (أ): (عليه).
[5] في (أ): (فبئس)، والمثبت موافق للتلاوة.