مصابيح الجامع الصحيح

حديث أبي موسى: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد

          346- قوله: (فَمَا دَرَى عَبْدُ اللهِ مَا يَقُوْلُ) أي: مَا يَقول في تَوْجيهِ الآية على وفق فتواه، و(ما) استفهاميَّة، ولعلَّ المجلس ما كان يَقْتضي تطويل المناظرة، وإلَّا؛ فكان لعبد الله أن يقول: المراد من الملامسة في الآية تلاقي البشرتين فيما دون الجماع، وجعل التَّيمُّم بدلًا من الوضوء فقط، فلا يدلُّ على جواز التَّيمُّم للجنب.
          إن قلتَ: مَا وجه الملازمةِ بين الرُّخصة في تيمُّم الجنب وتيمُّم البرد حتَّى صحَّ أن يُقال: لو رخَّصنا لهم في ذلك؛ لكان إذا وجد أحدهم البرد؛ تيمَّم؛ قلتُ: الجهة الجامعة بينهمَا اشتراكهما في عدم القدرة على استعمال الماء؛ لأنَّ عدم القدرة إمَّا بفقدِ الماء وإمَّا بتعذُّر الاستعمال.
          قوله: (فَقُلْتُ) أي: قال الأعمش: قلتُ لشقيق.
          قوله: (لِهَذَا) أي: لأجل هذا المعنى، وهو احتمال أن يتيمَّم المتبرد.
          إن قلتَ: الواو لا تدخل بين القول ومقوله، فلم قال: وإنَّما كره؛ قلتُ: هو عطفٌ على سائر مقولاته المقدَّرة.
          إن قلتَ: كذا وكذا وهذا أيضًا.
          فائدة: في قول أبي موسى لابن مَسْعودٍ ╠: (فدعنا من قول عمَّار) إلى آخره الانتقال في الحجاج بما فيه الخلاف إلى مَا عليه الاتِّفاق، وذلك أنَّه يجوز للمناظرين عند تعجيل القطع والإفحام للخصم ألا ترى أنَّ سيِّدنا الخليل ╕ إذ قال: { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيْتُ} [البقرة:258] قال له / النُّمرود _بضمِّ النُّون_ {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيْتُ} [البقرة:258] ولم يحتج أن يوقفه على كيفيَّة إحيائه وإمَاتته، بل انتقل إلى مُسْكِتٍ من الحجاج فقال: {إِنَّ اللهَ يَأْتِ بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ} [البقرة:258].
          خاتمة:
          قوله: (إِذَا لَمْ يَجِدْ) أي: الجنب، وهذا على سبيل الاستفهام، والسُّؤال من أبي موسى من عبد الله ╠، و(فِي هَذَا) أي: في جواز التَّيمُّم للجنب ولفظ يعني (تيمَّم وصلَّى) تفسيرٌ لقوله: (قال: هكذا).
          أو: (قلتُ) هو مقول أبي موسى، وقول عمَّار هو: (كنَّا في سفر فاجتنبت، فتمعَّكت في التُّراب، فذكرتُ لرسول الله صلعم فقال: «يكفيك الوجه والكفَّين») وإنَّما لم يقنع عمر بقول عمَّار ╠؛ لأنَّه لمَّا كان حاضرًا معه في تلك السَّفرة ولم يتذكَّر القصَّة؛ ارتاب في ذلك.
          و(بَرَدَ) بضمِّ الرَّاء، والمشهور: الفتح.